للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

القول الثاني: ذهب الحنفية والمالكية إلى أن المني نجس ويجب تطهيره (١).

واستدلوا لذلك بما رود في الصحيحين عَنْ مَيْمُونَةَ، أَنَّ النَّبِيَّ اغْتَسَلَ مِنَ الجَنَابَةِ، فَغَسَلَ فَرْجَهُ بِيَدِهِ، ثُمَّ دَلَكَ بِهَا الحَائِطَ، ثُمَّ غَسَلَهَا، ثُمَّ تَوَضَّأَ وُضُوءَهُ لِلصَّلَاةِ، فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ غُسْلِهِ غَسَلَ رِجْلَيْهِ» (٢).

فغسل فرجه من المني فهذا دليل على نجاسة المني.

قال شيخ الإسلام: الاستنجاء من المني فعل النبي وأصحابه على الدوام، ولا أعلم إخلالهم به بحال (٣).

واعترض عليه بأن الغسل لا يدل على النجاسة؛ لأنه قد يغسل ما يستقذر كالمخاط وغيره، وليس هو نجسًا بالإجماع.

الدليل الثاني: استدلوا بما ورد في الصحيحين عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: كُنْتُ أَغْسِلُ الجَنَابَةَ مِنْ ثَوْبِ النَّبِيِّ ، فَيَخْرُجُ إِلَى الصَّلَاةِ وَإِنَّ بُقَعَ المَاءِ فِي ثَوْبِهِ (٤). فدل غسل المني على نجاسته، إذ الطاهر لا يحتاج إلى تطهير.

واعترض عليه بأن المخاط وكل ما يُستقذر قد يُغسل، وليس بنجس، فليس الغسل دليلًا على النجاسة، ووَرد أن عائشة كانت تفرك المني إذا كان يابسًا ولا تغسله.

الدليل الثالث: عَنْ عَمَّارٍ، قَالَ: مَرَّ بِي رَسُولُ الله وَأَنَا أَسْقِي نَاقَةً لِي، فَتَنَخَّمْتُ فَأَصَابَتْ نُخَامَتِي ثَوْبِي، فَأَقْبَلْتُ أَغْسِلُ ثَوْبِي مِنَ الرِّكْوَةِ الَّتِي بَيْنَ يَدَيَّ، فَقَالَ النَّبِيُّ : «يَا عَمَّارُ، مَا نُخَامَتُكَ وَلَا دُمُوعُ عَيْنَيْكَ إِلَّا بِمَنْزِلَةِ الْمَاءِ الَّذِي فِي رِكْوَتِكَ، إِنَّمَا تَغْسِلُ ثَوْبَكَ مِنَ الْبَوْلِ وَالْغَائِطِ وَالْمَنِيِّ مِنَ الْمَاءِ الْأَعْظَمِ وَالدَّمِ وَالْقَيْءِ» (٥).


(١) «الدر المختار» (١/ ٣١٢)، و «الاستذكار» (٣/ ١١٣).
(٢) البخاري (٢٦٠)، ومسلم (٣١٧).
(٣) «مجموع الفتاوى» (٢١/ ٥٩٤).
(٤) البخاري (٢٢٩)، ومسلم (٢٨٨).
(٥) موضوع: أخرجه أبو يعلى (١٦١١)، وفي إسناده: ثابت بن حماد: متهم بالوضع، وعلي بن زيد ضعيف. قال البيهقي (١/ ١٤): هذا باطل لا أصل له، وكذا قاله ابن تيمية «الفتاوى» (٢١/ ٥٩٤).

<<  <   >  >>