للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

واعترض عليه بما قاله ابن الجوزي: هذا الحديث لا يُعرف، إنما المنقول أنها هي كانت تفعل ذلك من غير أن يكون أمرها (١).

أما دليلهم من المعقول: فاستدلوا بقياس المني على المذي، قال الباجي: دليلنا من جهة القياس أنه مائع تثيره الشهوة، فوجب أن يكون نجسًا كالمذي (٢).

واعترض عليه بما قاله ابن القيم: المني والمذي هما حقيقتان مختلفتان في الماهية والصفات والعوارض والرائحة والطبيعة، فدعواك أن المذي مبدأ المني وأنه مني لم يستحكم طبخه - دعوى مجردة عن دليل نقلي وعقلي وحسي فلا تكون مقبولة (٣).

واستدلوا بأن المني خارج من مخرج البول، وكل ما خرج من مخرج البول نجس.

واعترض عليه بأنه قد يخرج من مخرج واحد ما هو طاهر وما هو نجس، فيخرج من الدبر الريح وهو طاهر، ويخرج الغائط وهو نجس، ويخرج من الفم المخاط وهو طاهر، ويخرج القيء وهو نجس على قول.

واستدلوا بأنه إذا كانت نواقض الوضوء نجسة كالبول والغائط، وإذا كان المني يوجب الغسل فنجاسته من باب أَوْلى.

واعترض عليه بأن هذه القاعدة ليست مطردة، فخروج الريح ناقض للوضوء بالإجماع، مع أن الريح طاهر بالإجماع لا يُغسل مكانه ولا ما أصاب من الثياب، وكذا مس الفرج ليس بنجس وهو ناقض للوضوء، وكذا أكل لحم الجزور طاهر وهو ناقض للوضوء، ولو مس بولًا أو غائطًا مع أنه نجس بالإجماع لا ينقض وضوءه بل يغسل ما مسه فقط، وكذا لو جامع ولم يُنزل فإن عليه الغسل بالرغم من أنه لم يُمنِ.

قال الشافعي: أَرَأَيْتَ الرَّجُلَ إذَا غَيَّبَ ذَكَرَهُ فِي الْفَرْجِ الْحَلَالِ وَلَمْ يَأْتِ مِنْهُ مَاءٌ فَأَوْجَبْت عَلَيْهِ الْغُسْلَ، وَلَيْسَتْ فِي الْفَرْجِ نَجَاسَةٌ، وَإِنْ غَيَّبَ ذَكَرَهُ فِي دَمِ خِنْزِيرٍ، أَوْ خَمْرٍ، أَوْ عَذِرَةٍ


(١) «التحقيق» (١/ ١٠٧).
(٢) «المنتقى» (١/ ١٠٣).
(٣) «بدائع الفوائد» (٣/ ٦٣٩).

<<  <   >  >>