ولا يجوز أنْ يعلمُوه ويزهَدُوا فيه، مع حِرصهم على كُلِّ خَير، لا سيما الدعاء؛ فإنَّ المضطَرَّ يتشَبَّثُ بكُلِّ سَبَبٍ، وإنْ كان فيه كَراهَةٌ مَا، فَكيف يكونون مضطَرِّين في كثير من الدعاء، وهُم يعلَمُونَ فضلَ الدعاء عند القبور، ثم لا يقصدونه؟ هذا محال طبعَاً وشَرْعَاً.
فتعيَّن القسمُ الآخر، وهوَ أنه لا فضلَ للدعاءِ عندها، ولا هُو مَشروع، ولا مَأذونٌ فيه بقصدِ الخصوص، بل تخصيصُها بالدعاءِ عندَها ذَريعةٌ إلى ما تقدَّمَ من المفاسِد، ومِثلُ هذا مما لا يَشْرَعُهُ اللَّهُ ورَسُولُه البتة، بل استحِبَابُ الدعاء عندَها شَرْعُ عبادةٍ لم يشرْعَهَا اللَّهُ، ولم يُنزِّل بها سُلطَانَاً.
وقد أنكَرَ الصحابةُ ما هُو دونَ هذا بكثير ... ). (١)
قال الصنعاني (ت ١١٨٢ هـ) - رحمه الله -: (فإنَّ هذه القِبابَ والمشاهدَ التي صارت أعظمَ ذريعة إلى الشرك والإلحاد، وأكبرَ وسيلة إلى هدم الإسلام وخراب بنيانه، غالبُ بَل كلُّ مَن يَعمُرُها هم الملوكُ والسلاطينُ والرؤساء والولاةُ، إمَّا على قريبٍ لهم أو على مَن يُحسنون الظنَّ فيه، مِن فاضل أو عالِم ... أو صوفيٍّ أو فقير أو شيخ أو كبير، ويزورُه الناسُ الذين يعرفونه زيارة الأموات، مِن دون توسُّل به ولا هَتْفٍ باسمِه، بل يَدْعون له ويستغفرون، حتَّى ينقرِضَ مَن يَعرفه أو أكثرُهم، فيأتي مَن بعدهم فيجدُ قبراً قد شُيِّد عليه