لكن مثل هذا لا تُضبَطُ به الألفاظُ والدقائقُ التي لا تُعلم بهذه الطريق، بل يُحتَاجُ ذلك إلى طريق يَثبتُ بها مثلُ تلك الألفاظ والدقائق؛ (١) ولهذا ثبتتْ بالتواتر غزوة بَدْر، وأنها قبل أُحُدٍ، بل يُعلَمُ قطعاً أن حمزةَ وعليَّاً وعُبَيدةَ بَرَزُوا إلى عُتْبَةَ وشيبةَ والوليد؛ وأنَّ عليَّاً قتلَ الوليدَ، وأنَّ حمزةَ قتلَ قِرْنَهُ، ثمَّ يُشَكُّ في قِرْنِهِ هَل هُوَ عُتْبَةُ أو شَيْبَةُ؟
وهذا الأصلُ ينبغي أنْ يُعرف، فإنَّه أصلٌ نافعٌ في الجزم بكثير من المنقولات: في الحديث، والتفسير، والمغازي، وما يُنقَلُ من أقوال الناس، وأفعالهم، وغير ذلك.
ولهذا إذا رُوِيَ الحديثُ الذي يتأَتَّى فيه ذلك عن النبي - صلى الله عليه وسلم - مِنْ وجهينِ معَ العِلمِ بأنَّ أحدَهما لمْ يأخذْهُ عَن الآخر؛ جُزِمَ بأنَّهُ حقٌّ، لا سِيَّمَا إذا عُلِمَ أن نقَلَتَهُ ليسوا ممن يتعمَّدُ الكذِبَ، وإنما يُخَافُ على أحدهم النسيانَ والغلَط؛ فإن مَنْ عرفَ الصحابةَ: كابن مسعود، وأُبَيِّ بن كعب، وابنِ عُمَر، وجابرَ، وأبي سعيد، وأبي هريرة، وغيرهم؛ عَلِمَ يقيناً أنَّ الواحدَ من هؤلاء،
(١) قال الشيخ ابن عثيمين في «شرحه لمقدمة التفسير» (ص ٧٧): (المؤلف - رحمه الله - هنا لا يتكلَّم عن المراسيل، بل يتكلم عن هذه الحادثة التي وقعت وحصل فيها التفصيل؛ فإن الألفاظ والدقائق التفصيلية من هذه الحادثة لا تثبت بهذه الطريق، بل تحتاج إلى نقل صحيح يعتمد عليه لإثباتها ... ).