فهذه كانت سبيلُ رسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - في أهلِه: الزهدَ في الدنيا، والقصدَ لأَمْرِ الآخرة؛ وبه نزَلَ القرآن في أمرِ أزواجِهِ قال الله - عز وجل -: ... {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ ... تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا}(سورة الأحزاب، آية ٢٩) فخيَّرَهُنَّ رسولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - في ذلك، وبدأَ بعائشة، فاختَرْنَ اللَّهَ ورسولَه، والدارَ الآخرة.
فهذا كانَ مذهبُهُ - صلى الله عليه وسلم - في نفسِهِ وأهلِهِ، وقد بيَّنَاه مِن ... كتابِ اللَّهِ - عز وجل -، ومن الروايةِ عن رسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -.
ولو كان أقطعَهَا فدَك كما ذكروا، لكانت من أيسرِ امرأةٍ في العَرَب؛ لجلالَةِ قدْرِهَا، وكثَرَةِ ثمَنِهَا، فقد كانت قيمتُهَا القيمةَ الجليلة التي لم يمْلِكْ حجازِيٌّ ما يُقَارِبَها.
وكذلك ادَّعَوا أيضاً في سائر الأموال التي أفاءَها اللَّهُ على رسُولِهِ - صلى الله عليه وسلم - أنَّهُ ملَكَهَا لنفسِهِ، حتَّى خلَّفَهَا مِيراثَاً، ولم يجعَلْهَا صَدَقَةً! ! طعنَاً منهم على أئمة السلَف! فلَو كان الأمرُ على ما ذكروا؛ لم يكُن فيهِم أكثرَ أموَالاً، ولا أعظَمَ مُلْكَاً مِنْ رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - وابنتِهِ فاطمةَ - عليها السلام -، وقد برَّأَهُ الله وابنتَهُ - صلى الله عليه وسلم - مِن ذلك؛ وكان أزهدَ الناسِ في الدنيا حتَّى لَقِيَ اللهَ - عز وجل -، حتَّى كان ينالُه ما ينالُه مِن سهَرِ الليل، والغَمِّ،