وقد روى عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: أشهد أن الله تعالى أحلّ السلف المضمون، وأنزل فيه أطول آية في كتابه، وتلا قوله تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا تَدَايَنتُم بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى فَاكْتُبُوهُ .. } البقرة٢٨٢ وانظر تفسير الآية عند ابن كثير.
ووجه دلالة الآية على مشروعية السلم أنه نوع ديْن، والآية أقرت الدين وأجازته، فيكون السلم جائزاً.
[حكمة تشريعه:]
أشرنا أن القياس في السلم أن يكون غير مشروع، لأنه بيع المعدوم وما ليس عند الإنسان، وإنما شرع لحاجة الناس إليه. وهذه الحاجة تظهر في أن أصحاب الصناعات والأعمال، وكذلك أصحاب الأراضي والأشجار، كثيراً ما يحتاجون إلى المال من اجل تأمين السلع الأولية لمنتجاتهم، أو تهيئة الآلات والأدوات لمصانعهم، وكذلك الزرّاع ربما احتاجوا للمال من رجل رعاية أراضيهم وحفظ بساتينهم. وقد لا يجد هؤلاء المال لدى مَن يمكن أن يقدّمه لهم قرضاً، وقد لا يرضى بذلك، فيسّر لهم الشرع أن يستلفوا هذا المال على أساس أن يقدموا بدله منتجاتهم من زرع أو ثمر أو سلع ونحو ذلك.
وكذلك التجار الذين يرغبون بتأمين السلع والبضائع في الوقت المناسب، قد لا يجدون مَن يبيعهم ذلك في حينه، ويكون المال متوفراً لديهم، فيسّر لهم الشرع أن يسلفوا هذا المال في البضائع التي يرغبون.
وهكذا نجد أن تشريع السلم حقّق مصالح عدّة، إذ يسّر المال لمن لا يجده والبضاعة لمن يرغب بها، وفتح الطريق أمام المال ليقوم بوظيفته الأساسية، ألا وهي قوام عيش الناس، فلم يبق مخزوناً مكنوزاً. وتلافي أخطار بيع المعدوم بالشروط والقيود التي أحاط بها هذا العقد، والتي ستراها خلال البحث.
[أركانه وشروطه:]
أركان عقد السلم أربعة: عاقدان وصيغة ورأس مال السلم والمُسلَم فيه، ولكلِّ منها شروط.