وإن كانت الهبة بثواب، أي بشرط العوض، كأن يقول: وهبتك هذا على أن تثيبني كذا، أو وهبتك هذا الكتاب على أن تعوضني هذا الثوب، أو تهبني كذا، ونحوه، ينظر:
فإن كان العوض المشروط معلوماً: صح العقد وكان بيعاً على الصحيح، نظراً للمعنى، فإنه عقد معاوضة بمال معلوم فيصح، كما لو قال: بعتك كذا بكذا، إذ العبرة في العقود للمقاصد والمعاني لا للألفاظ والمباني. ولذا تثبت فيه أحكام البيع، فيثبت فيه خيار المجلس، وخيار الشرط، والرد بالعيب، وغير ذلك من أحكام البيع.
وإن كان العوض المشروط مجهولاً: كأن يقول: وهبتك هذا الكتاب على أن تعوضني ثوباً، دون بيان لهذا الثوب أو تعيين له، أو: على أن تعوضني شيئاً، فالعوض المشروط في هذه الحالة مجهول، فيكون العقد باطلاً، إذ لا يمكن اعتباره بيعاً لجهالة العوض، كما لا يمكن اعتباره هبة لذكر العوض، والهبة لا تقتضيه.
[التسوية في الهبة للأولاد وعطاياهم]
المراد بالهبات والعطايا هنا غير النفقة الواجبة، فيستحب للوالد - إذا أراد أن يهب أولاده ويعطيهم - أن يسوّي بينهم في الهبة والعطاء ذكوراً كانوا أم إناثاً، كباراً أم صغاراً، وذلك تمتيناً للمحبة فيما بينهم. ويكره له أن يميز بينهم، وأن يفضل بعضهم على بعض، بزيادة أو خصوصية، لما يؤدي إليه ذلك من الحسد بينهم وبغض بعضهم بعضاً، وتفكك روابط الأسرة.
روى البخاري ومسلم عن النعمان بن بشير رضي الله عنهما قال: أعطاني أبي عطية، فقالت عمرة بنت رواحة: لا أرضي حتى تُشْهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فأتى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: إني أعطيت ابني من عمرة بنت رواحة عطية، فأمرتني أن أشهدك يا رسول الله، فقال:" أعطيت سائر ولدك مثل هذا؟ " قال لا، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - " فاتقوا الله واعدلوا بين أولادكم" قال: فرجع فرد عطيته (البخاري في الهبة، باب الإشهاد في الهبة، رقم: ٢٤٤٧. ومسلم في الهبات، باب: كراهية تفضيل بعض الأولاد في الهبة، رقم: ١٦٢٣).