نلاحظ من التعريفين السابقين لكل من الهدنة والاستئمان الفروق التالية:
أولاً: أن الهدنة صلح جماعي يمثله من طرف المسلمين الحاكم الأعلى أو نائبه، ويمثله من طرف الأعداء قائدهم، أو من ينوب عنه، بينما الاستئمان يكون للآحاد والجماعات من الكفار، ويقوم بإعطائه لهم، أو لأي فرد منهم أي شخص من المسلمين، حاكماً أو غيره، رجلاً أو امرأة.
ثانياً: أن الهدنة طريقة من طرق إنهاء الحرب بين المسلمين وعدوهم، فلا يمكن أن تجتمع الحرب مع الهدنة، أما الاستئمان، فيمكن أن يتم أثناء الحرب، بأن يستأمن أحد الجنود من أهل الحرب مسلماً رآه أمامه، فأعطاه الأمان، فإنه يصبح عندئذ محقون الدم، لا يجوز لأحد علم بذلك أن يمسه بأذى، مع أن الحرب دائرة، بين المسلمين والكافرين.
[حكم كل من الهدنة والاستئمان]
حكم الهدنة: أما الهدنة، فلها حالتان:
الحالة الأولي: أن يطلبها الأعداء، فيجب على إمام المسلمين الاستجابة لهم مع الحذر، وأخذ الحيطة، ولا يجوز أن يمتد أجلها أكثر من أربعة أشهر.
الحالة الثانية: أن يبادر إليها المسلمون، وإنما تجوز بناء على ظهور مصلحة للمسلمين فيها، فإن كانت اعتباطاً، أي بدون مصلحة داعية لها، لم تصح ولم تنعقد.
ثم إن كانت المصلحة الداعية إلي الهدنة رجاء التخلص من ضعف في ظلال السلم، وطمأنينة الأمن، جاز أن يمتد أجلها إلي عشرة أعوام فقط، ودليل ذلك صلح الحديبية، فقد تم بسبب ما رآه النبي - صلى الله عليه وسلم - من ضعف المسلمين، وتألب الأعداء عليهم، وكان أجله في العقد المتفق عليه بين المسلمين ومشركي مكة عشرة أعوام. أما إن كانت المصلحة شيئاً آخر غير الضعف، كتوقع إسلام الأعداء، أو خضوعهم للجزية، فلا يجوز والحالة هذه أن تزيد الهدنة عندئذ عن أربعة أشهر، وذلك تمسكاً بمفهوم قول الله تعالي: {فسيحوا في الأرض أربعة