وهذه المماثلة لا بدّ من وجودها تحقيقاً ويقيناً حين العقد، بأن يكال كلُّ من البدلين أو يوزن قبل التعاقد، أو يكون قدر كلِّ منهما معلوماً للمتعاقدين.
فلا تكفي المماثلة ظناً وتخميناً، كان يبيعه صبرة حنطة مجازفة، أي بدون كيل أو وزن، على تقدير أنهما متساويتان. أو يبيعه مائة صاع من حنطة بصبرة منها تساويها تقديراً، فهذا البيع في الحالين ممنوع، لاحتمال التفاضل بين البدلين، وشرط صحة البيع في الربويات عند اتحاد الجنس: الخلو عن احتمال التفاضل، لأن احتمال التفاضل مثل تحققه.
ويدل لهذا المنع حديث جابر رضي الله عنه قال " نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن بيع الصُّبْرََة من التَّمْر، لا يعلم مكيلَتُها، بالكيل المسمَّى من التمر". (أخرجه مسلم في البيوع، باب: تحريم بيع صبرة التمر المجهولة القدر بتمر، رقم ١٥٣٠). [والصبرة هي الكومة].
ويشهد لهذا أيضاً قول ابن مسعود رضي الله عنه: ما اجتمع الحلال والحرام في شيء إلا وقد غلب الحرام. أي إذا توارد أمران على شيء: أحدهما يقتضى حله والآخر يقتضي حرمته، قدم ما يقتضي حرمته ومنع منه، احتياطاً في الدين وبُعداً عن الوقوع في الشبهات. وهنا احتمال عدم التفاضل يقتضي حلّ بيع الصبرة بغيرها، واحتمال التفاضل يقتضي المنع من ذلك، فقدّم المنع.
[المزابنة والمحاقلة:]
ومما لا يخلو عن احتمال التفاضل في بيع الربويات: المحاقلة والمزابنة.
والمحاقلة: أن يبيع الحب في سنبله بما يساويه خرصاً، أي تقديراً وتخميناً لكيله أو وزنه.
والمزابنة: أن يبيع الرُّطَب على رؤوس الشجر بما يساويه خرصاً من التمر المجذوذ، أي المقطوع والمقطوف. ومثل الرطب والتمر العنب والزبيب.
فكلُّ من المحاقلة والمزابنة ممنوع شرعاً، لعدم الجزم بتساوي البدلين، أو عدم تحقّق المماثلة يقيناً.