لقد علمت أن القتال في سبيل الله نوع من أنواع الجهاد الذي يطلق على بذل الوسع بكل أنواعه في سبيل إعلاء كلمة الله.
والجهاد له حكمة تتعلق بالمسلمين الذين يكلفون بالجهاد، وله حكمة أخري تتعلق بأولئك الذين يجاهدهم المسلمون من الكافرين وأعوانهم.
فأما حكمة تكليف الله المسلمين بالجهاد، فهي أن يتبين صدق إيمانهم وأن يمارسوا حقيقة العبودية التي لا تتجلي إلا بتحمل المشاق والتضحية بالنفيس في سبيل الله عز وجل، من نفس وراحة ومال. يدل على ذلك قوله تعالي:{أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللهُ الَّذِينَ جَاهَدُواْ مِنكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ}(سورة آل عمران: ١٤٢).
وأما حكمة وقوع الجهاد بالقتال ونحوه على الكافرين، ففيه ما فيه من الجبر لهم والضغط عليهم، وتكليفهم في دين الله طوعاً أو كرهاً، فهي تتمثل في الأمور التالية:
١ - تحرير عامة الناس ودَهْمائهم من الوقوع تحت سلطة الطغاة والمستعبدين، فإن الأمة التي لا تدين بالعبودية لله عز وجل، لا بد أن يستبد الأقوياء منها بالضعفاء، ويسوقهم بعصا الاستعباد في الطريق التي ترسمها لهم أهواؤهم.
أما إذا دخل الإيمان في قلوب تلك الأمة، فإن أقوياءهم يستشعرون الضعف والمسؤولية تجاه فاطرهم العزيز جل جلاله، فيقلعون عن الظلم والاستعباد، وإن ضعفاءهم يستشعرون القوة والعزة بإيمانهم، وأن لا نافع ولا ضار إلا الله، فيتحررون عن التبعية لأسيادهم، حيث لا يذلهم تهديد ولا يخوفهم بطش أو وعيد، فتتقارب عندئذ الطبقات، وتتساوي الفئات ويستشعر الكل أنهم إخوة في ظلال العبودية لله تعالي.
والجهاد هو وسيلة كبرى لتحقيق هذا الأمر.
٢ - إشعار الناس بكل فئاتهم وأنواعهم أن الأرض أرض الله والدولة دولة الله فالحكم فيها لا ينبغي أن يكون إلا له عز وجل فمن دخل في حكم الله طوعاً