للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والزكاة والكفارة ونحوها، فهذه الحقوق إنما شرعت إقامة للدين، وتحقيق مصالح المجتمع.

وحكم حق الله عز وجل أنه تنفع فيه التوبة فيما بين العبد وربه، ويصح الرجوع عنه بعد الإقرار فيه، لأن مبنى حق الله عز وجل على الدرء والستر.

ودليل ذلك أن النبي - صلى الله عليه وسلم - عرض لماعز بن مالك بالرجوع عندما أقر على نفسه بالزني فقال له " لعلك قبلت، أو غمزت ". ومعنى هذا الكلام الإشارة على تلقينه الرجوع عن الإقرار بالزني، واعتذاره بشبهة يتعلق بها.

وقد قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " ادرؤوا الحدود عن المسلمين ما استطعتم، فإن كان له مخرج فخلوا سبيله، فإن الإمام أن يخطئ في العفو خير من أن يخطئ في العقوبة ". (أخرجه الترمذي [١٤٢٤] في الحدود، باب: ما جاء في درء الحدود).

ولا شك أن الرجوع عن الإقرار شبهة تسقط الحدود.

ويندب للقاضي أن يعرض للمقر بالرجوع، ولا يقول له: ارجع، فيكون أمراً له بالكذب.

فلو رجع المقر بعد إقراره بحقوق بالله وجل، صح رجوعه، وزال عنه حكم ما كان أقر به.

يدل على ذلك، ما جاء في قصة رجم ماعز بن مالك رضي الله عنه، أنه لما وجد مس الحجارة فر، فأدركوه ورجموه، وأخبر بذلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: " هلا تركتموه ". (رواه البخاري [٤٦٧٠]، ومسلم [١٦٩١] في نفس الأبواب السابقة، كما رواه الترمذي [١٤٢٨] في الحدود، باب: ما جاء في درء الحد عن المعترف إذا رجع)

[النوع الثاني: حق العباد]

وهذا الحق لا يصح الرجوع فيه عن الإقرار، لتعلق حق المقر له بالحق المقر به إلا إذا كذبه المقر له به، فحينئذ يصح له الرجوع به.

فلو أنه بدين لزيد، أو إتلاف، أو قذف، فإنه لا يصح الرجوع عنه، ويلزمه ما أقر به، إلا كذبه المقر له، كما قلنا.

<<  <  ج: ص:  >  >>