وحديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صريح في هذا المعنى إذ يقول:" تهادَوْا تحابَّوا "(أخرجه مالك مرسلاً في كتاب حسن الخلق، باب: ما جاء في المهاجرة: ٢/ ٩٠٨) ويقول " تهادوا، فإنّ الهديَّة تُذْهبُ وحَرَ الصّدْر " أي غلَّه والحقد الذي قد يكون فيه. (أخرجه الترمذي في أبواب الولاء، باب: ما جاء في حثّ النبي - صلى الله عليه وسلم - على التهادي، رقم: ٢١٣١).
وحتى يتحقق هذا المعنى كاملاً نجد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يحثّ من وُهِبَ له شيء أن يقبله ولا يردّه، لما في الرد على الواهب من إيذاء له، إذ قد يشعر باستصغاره وعدم الاكتراث به. وقد مرّ بك قوله - صلى الله عليه وسلم -: " لا تحقرن جارة لجارتها ولو فْرِسِنَ شاة " وروى الإمام أحمد في مسنده: عن خالد بن عدي رضي الله عنه: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:" من بلغه معروف عن أخيه، من غير مسألة ولا إشراف نفس، فليقبله ولا يردّه، فإنما هو رزق ساقه الله عز وجل إليه ". (مسند أحمد: ٤/ ٢٢١).
وإذا كان هناك سبب شرعي معتبر لعدم القبول ينبغي أن يبيِّنه، حتى لا يبقى في نفس الواهب شيء، كما فعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حين أُهدي له صيد وهو محرم.
فقد أخرج البخاري ومسلم عن الصعب بن جثامة الليثي رضي الله عنه: أنه أهدى لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - حماراً وحشياً، وهو بالأبواء أو بودّان، فردّه عليه، فلما رأى ما في وجهه، قال:" أما إنا لم نرده عليك إلا أنا حرم "( ... البخاري: الإحصار وجزاء الصيد، باب: إذا أهدى للمحرم حماراً وحشياً حياً لم يقبل، رقم: ١٧٢٩. ومسلم في الحج، باب: تحريم الصيد للمحرم، رقم: ١١٩٣).
[حماراً وحشياً: هو الحمار المخطط المعروف، وهو من الأنعام المأكولة اللحم. الأبواء وودّان: اسما موضعين بين مكة والمدينة. ما في وجهة: أي من الحزن والكراهية لردّه - صلى الله عليه وسلم -، لأنه قد يكون سبب غضب منه وعدم رضا عنه. حرم: محرومون: يمتنع علينا أخذ ما صِيدَ لنا].
[أركان الهبة وشروطها]
للهبة أركان ثلاثة، وهي: عاقدان، وصيغة، وموهوب. ولكلَّ من هذه الأركان شروطها نبينها فيما يلي: