فقد ذكر الله تعالى ان منع الماعون من صفات المكذب بيوم الدين والمهدَّد بالويل - وهو العذاب والهلاك - يوم القيامة، فدلّ ذلك على انّ بذل الماعون امر مشروع ومطلوب. وجمهور المفسرين على ان المراد بالماعون ما يستعيره الجيران بعضهم من بعض، كالدلو والإبرة والقِدْر ونحو ذلك، ويلحق به كل ما في معناه.
وأما السنّة: - فما رواه انس رضى الله عنه، ان النبي صلى الله عليه وسلم استعار فرساً من ابي طلحة فركبه. (اخرجه البخاري في الهبة، باب: من استعار من الناس الفرس، رقم: ٢٤٨٤. ومسلم في الفضائل، باب: في شجاعة النبي صلى الله عليه وسلم وتقدمه للحرب، رقم: ٢٣٠٧).
- وما رواه جابر بن عبدالله رضى الله عنه قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "مَن كانت له ارض فليهبها أو ليُعرْها"(اخرجه مسلم في البيوع، باب: كراء الأرض، رقم: ١٥٣٦).
وسيأتي معنا احاديث أُخرى خلال البحث، فيها دلالة على مشروعية العاريَّة مع بيان احكامها.
وما دلّ عليه القرآن والسنّة من مشروعية الإعارة عامة: انعقد عليه اجماع علماء المسلمين في كل العصور.
[حكمة مشروعيتها]
إن حكمة التشريع في العاريّة هي تحقيق التعاون الذي ندب الله تعالى المسلمين اليه اذ قال:(وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان)(المائدة: ٢). فكثير من الناس لا يتمكن من اقتناء كل ما يحتاج اليه من متاع او ملبس او مسكن او عقار: إما لقلة ذات يده، او لفقدانه في الأسواق، أو ندرة وجوده، او لكثرة مشاغل بعض الناس التي تنسيهم بعض حاجاتهم، وعندها قد يجد المرء نفسه في ساعة من ليل او نهار في حاجة ماسة لأن يطرق باب جيرانه، فيطلب منهم استعارة بعض الأشياء، او يتوجه بالطلب الى صديقه في سفر او حضر ان يستعين ببعض متاعه لقضاء حاجته، ولا سيما اولئك الكثيرات من ربّات البيوت، اللواتي قد يكون رجالهنّ في سفر، او غائبين عن البيت لانهماكهم في العمل، والمرأة مضطرة لأن تهيئ الطعام او تقوم بشؤون الأولاد، فتحتاج الى