ثانياً: أن يخرجوا بشكل فعلي عن قبضة الإمام بسبب المنعة التي ذكرناها، إذ لو كانوا في قبضته وتحت سلطانه؛ لكان في غنى عن أن يناصبهم القتال، ولأمكن أن يكتفي بمعاقبتهم بما يراه من حبس وغيره.
ثالثاً: أن يعتمدوا تأويلاً سائغاً له مجال في النظر والاجتهاد، يسوغون به تمردهم عليه، وإن كان هذا التأويل فاسداً إلا أنه لا يقطع بفساده، وذلك كتأويل الذين خرجوا على علي رضي الله عنه من أهل الجمل وصفين، بأنه يعرف قتلة عثمان رضي الله عنه، ويقدر عليهم ولا يقتص منهم لمواطأته إياهم.
فلو لم يكن لهم تأويل أو اجتهاد يعتمدون عليه في عصيانهم للأمام؛ لم يترتب عليهم حكم البغاة، ووجب قتالهم بوصف كونهم فسقة، بل ربما يكفرون إذا استحلوا عصيان إمام المسلمين، والخروج على أمره دون معتمد شرعي يستندون إليه.
رابعاً: أن يكون لهم مطاع فيهم يحصل به قوة لشوكنهم، وإن لم يكن إماماً منصوباً فيهم، يصدرون عن رأيه، إذ لا قوة لمن لا يجمع كلمتهم مطاع.
هذا ومن المهم أن تعرف أن البغاة لا يفسقون ولا يكفرون، وإن وجب على الإمام قتالهم؛ لأن لهم من وجهة النظر الشرعي ما يعتبر عذراً لهم بزعمهم هم.
قال العلماء: هذه الآية وإن لم يكن فيها ذكر الخروج على الإمام، لكنها تشمله لعمومها، أو تقتضيه قياساً، لأنه إذا طلب القتال لبغي طائفة على طائفة فلأن يطلب ذلك للبغي على الإمام من باب أولي.
وكالآية حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " من فارق الجماعة قيد شبر فقد خلع ربقة