وعليه: فما يترتب على الإكراه موضوع، أي غير معتبر، والحديث يشمل الحكم الدنيوي والحكم الأُخروي.
النوع الثاني: ما يرخَّص فيه بالإكراه من التصرفات الحسيّة:
أ- قول أو فعلُ ما ظاهره الكفر:
كأن يُجْري ألفاظ الكفر على لسانه، أو يسبّ النبي صلى الله عليه وسلم أو يسجد لصنم أو يعظّم ما يعظِّمه الكفّار تعظيم عبادة وتقديس، فمثل هذه الأقوال أو الأفعال يرخَّص له الإقدام عليها - وقلبه مطمئن بالإيمان - بسبب الإكراه.
ودليل ذلك قوله تعالى:"مَنْ كفر بالله من بعد إيمانه إلا مَن أُكره وقلبُهُ مطئمنُّ بالإيمان ولكن مَنْ شَرَح بالكفر صدراً فعليهم غضبٌ من الله ولهم عذاب عظيم""النحل: ١٠٦".
وروى الحاكم عن محمد بن عمّار بن ياسر، عن أبيه رضى الله عنه قال: أخذ المشركون عمّار بن ياسر، فلم يتركوه حتى سبّ النبي صلى الله عليه وسلم وذكر آلهتهم بخير، ثم تركوه، فلما أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"ما وراءك؟. قال: شرٌ يا رسول الله، ما تُركت حتى نلتُ منك وذكرتُ آلهتهم بخير. قال: "كيف تجد قلبك؟ ". قال: مطئمنٌّ بالإيمان. قال: "إن عادوا فعد" قال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه. (المستدرك: كتاب التفسير - تفسير سورة النحل - باب: حكاية اسارة عمار بن ياسر بيد الكفار: ٢/ ٣٥٧).
وإنما رُخّص بذلك ولم يُبَحْ لأن الكفر لا يحتمل الإباحة بحال، فالحُرمة قائمة، إلا أن المؤاخذة سقطت بسبب الإكراه، فأَثَرُ الرخصة في تغيّر حكم الفعل - أي ما يترتب عليه من المؤاخذة وغيرها - لا في تغيّر وصفه وهو الحرمة.
ولما كانت الحرمة قائمة، وكان التصرّف في هذا مرخّصاً فيه وليس مباحاً، كان الامتناع عن ذلك أفضل.
وإن أدى امتناع المستكرَه عنها الى قتله أُثيب ثواب المجاهد في سبيل الله تعالى، لأنه جاد بنفسه في سبيل إعلاء كلمة الله عزّ وجل، وإظهاراً لإعزاز دينه.