وللقتل الخطأ ـ وقد عرفت حقيقته ـ حكمان: الأول ديني أخروي، والثاني دنيوي قضائي.
أما حكمه الديني الأخروي فعفو لا إثم فيه ولا عقاب، لأنه عمل وقع خطأ من غير قصد، وقد جاء في الحديث:"إن الله تجاوز عن أمتي الخطأ والنسيان، وما استكرهوا عليه". رواه ابن ماجه [٢٠٤٥] في الطلاق، باب طلاق المكره والناسي عن ابن عباس.
وأما حكمه في الدنيا فهو وجوب الدية على عاقلة القاتل، مؤجلة إلى ثلاث سنوات، ومخففة: أي مقسمة إلى خمسة أنواع: عشرون بنت مخاض، وعشرون بنت لبون، وعشرون ابن لبون، وعشرون حقة، وعشرون جذعة.
أما وجوب الدية في القتل الخطأ، فيدل عليه قول الله عز وجل:{وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَن يَقْتُلَ مُؤْمِناً إِلاَّ خَطَئاً وَمَن قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَئاً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُّسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ إِلاَّ أَن يَصَّدَّقُواْ}(سورة النساء: ٩٢).
أما كون الدية في القتل الخطأ على العاقلة فلما قلنا إنها في القتل شبه العمد على العاقلة، فهي في الخطأ أولي أن تكون عليهم.
وأما كون الدية مخففة: أي في خمسة أسنان، فلما رواه الدارقطني [٣/ ١٧٢] عن ابن مسعود رضي الله عنه، موقوفاً، أنه قال:(دية الخطأ أخماساً: عشرون جذعة، وعشرون حقة، وعشرون بنت لبون، وعشرون ابن لبون، وعشرون بنت مخاض).
ومثل هذا الكلام من ابن مسعود رضي الله عنه، له حكم الحديث المرفوع إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -، لأنه من المقدرات، وهي ليست مما يقال بالرأي.
وأما كون الدية في قتل الخطأ مقسطة في ثلاث سنوات، فلما روي عن عمر وعلي وابن عمر وابن عباس رضي الله عنهم، أنهم قضوا بذلك ولم ينكر عليهم أحد من الصحابة، فكان إجماعاً، وهم رضي الله عنهم لا يقولون مثل هذا إلا بتوقيف عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، بل قال الشافعي رحمه الله تعالى: ولم أعلم مخالفاً أن