مالاً مقارضة يضرب له به: ان لا تجعل مالي في كبد رطبة، ولا تحمله في بحر، ولا تنزل به بطن مسيل، فإن فعلت شيئا من ذلك فقد ضمنت مالي. (اخرجه البيهقي في السنن: القراض: ٦/ ١١١).
فهذه الآثار عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم تدل على تعاملهم بالقراض، وجرت منهم على علم ومسمع من غيرهم، ولم ينقل عن أحد منهم إنكار لها، فصار ذلك إجماعاً على مشروعيته.
وعلى هذا أجمعت الأمة في جميع الأعصار.
[حكمة مشروعيته]
علمنا ان حكمة مشروعية الشركة عامة هو تنمية المال، وتحقيق التعاون بين أفراد المجتمع، وتحقيق التكامل بين القدرات والإمكانيات والكفايات، بالاستفادة ممّن لديه المال الكثير وقد تكون الخبرة لديه قليلة، والاستفادة ممّن لديه الخبرة الواسعة وربما كان المال لديه قليلاً، الى غير ذلك من الصور.
وهذا المعنى في الشركة عامة يوجد في المضاربة على اتمّ وجه وأعلى نسبة، لما فيها من تحصيل المال اصلاً لمن لا يوجد لديه غالبا، وتحقيق الفائدة لمن عنده المال ولا خبرة عنده اصلاً، فكانت الحاجة ماسة الى هذا النوع من الشركة، لتحقيق التعاون والنفع بين هذين الصنفين من الناس، ورعاية للمصلحة العامة في الاستفادة من وظيفة المال التي هي قوام معاش الناس، والخبرة التي وهبها الله عز وجل لتسخر في أمور الناس:"ورفعنا بعضهم فوق بعض درجات ليتخذ بعضهم بعضا سخريا". (الزخرف: ٣٢).
[حكم عقد القراض]
عقد القراض والمضاربة وعقد جائز، أي غير لازم، بمعنى ان كلا من المتعاقدين - أي صاحب المال والعامل - له الحق ان يفسخ هذا العقد، سواء ابدأ العامل بالتصرّف - أي الشراء والبيع ونحو ذلك - ام لم يبدأ.
فإذا كان الفسخ قبل الشروع بالعمل لم يجز للعامل ان يتصرف بشئ من راس المال، لأنه تصرف في غير ملكه بغير اذن مالكه.