الدافع الكلي الذي يدخل في قوام معني الجهاد، وهو إعلاء كلمة الله تعالي، ونشر الشريعة الإسلامية، ورفع لوائها في الأرض.
غير أنه قد يلتقي الجهاد في سبيل الله مع قتال الصائل في صورة واحدة:
وهي أن يعتدي عدو للمسلمين على قطعة من ديارهم ابتغاء الانتقاص من أرضهم والقضاء على دينهم، فيقاتلهم المسلمون من أجل ردهم عن كلا الغرضين، فهو قتال جهاد، ورد صيال معاً.
[زمن مشروعية الجهاد والتدرج الذي تم في تشريعه]
أقام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في مكة ثلاث عشر عاماً، يدعو إلي الله سلماً لا يقابل العدوان بمثله، فلما هاجر عليه الصلاة والسلام إلي المدينة شرع الله المرحلة الأولي من مراحل الجهاد، وهي التصدّي لرد عدوان المعتدين، أي القتال الدفاعي، ونزل في تشريع ذلك قوله عزّ وجل:{أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ. الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَن يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ}(سورة الحج: ٣٩ - ٤٠)، وقوله عز وجل: {وَقَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُواْ إِنَّ اللهَ لاَ يُحِبِّ الْمُعْتَدِينَ (سورة البقرة: ١٩٠).
ثم شرع الله تبارك وتعالي لنبيه جهاد المشركين ابتداء بالقتال، إذا اقتضي الأمر ذلك إلا في الأشهر الحرم، ونزل في ذلك قوله عز وجل:{فَإِذَا انسَلَخَ الأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُواْ الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُواْ لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِن تَابُواْ وَأَقَامُواْ الصَّلاَةَ وَآتَوُاْ الزَّكَاةَ فَخَلُّواْ سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} التوبة٥ وذلك بعد صلح الحديبية.
ثم شرع الله تبارك وتعالى لنبيه جهاداً من غير تقيد بشرط زمان ولا مكان، ونزل في ذلك قوله عز جل {وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأَخْرِجُوهُم مِّنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ وَلاَ تُقَاتِلُوهُمْ عِندَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ حَتَّى يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ فَإِن قَاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ كَذَلِكَ جَزَاء الْكَافِرِينَ} البقرة١٩١
فالشأن في مشروعية الجهاد يشبه الشأن في حكم تحريم الخمر، فقد تكامل الحكم في كل منهما على مراحل، غير أن أول مشروعيته إنما كان عقب هجرة المصطفي - صلى الله عليه وسلم - إلي المدينة المنورة.