للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأما من حيث إقامة الحدّ على المستكرَه على الزنا:

فقد قال الفقهاء: لا حدّ على المستكرَه على الزنا، رجلاً كان أم امرأة، لوجود الشبهة، والحدود تدرأ بالشبهات، أي تُدفع وتُسقط إذا لابَسَتْها شبهة، والشبهة هنا قائمة بسبب الإكراه.

ثانياً: التصرفات الشرعية وأثر الإكراه فيها:

التصرفات الشرعية إما أن تكون إنشاءً أو إقراراً.

والتصرفات الإنشائية نوعان:

نوع لا يحتمل الفسخ والردّ: كالطلاق، والنكاح، والرضاع، والرجعة، واليمين، والنذر، والظهار، والإيلاء، والفئ في الإيلاء، والعفو عن القصاص. فهي تصرفات لازمة تلزم بمجرد انعقادها، ولا تقبل فسخاً ولا ردّاً.

ونوع يحتمل الفسخ والردّ: كالبيع والشراء، والإجارة، والهبة، ونحو ذلك. فإنها تصرفات لا تلزم بمجرد انعقادها، فهي تقبل الفسخ أو الرد.

أثر الإكراه في التصرفات الإنشائية التي لا تحتمل الفسخ:

قال الفقهاء: إن الإكراه على إيقاع شئ من هذه التصرفات يفسدها ويجعلها غير معتبرة، فلا يترتب عليها شئ من آثارها المعتبرة شرعاً، فالإكراه يجعلها كأنها لم تكن، ولو وقعت من المستكرَه عليها.

واستدلوا على ذلك عموماً: بأن التلفّظ بالكفر حالة الإكراه لم يعتبره الشرع، ولم يترتب عليه أثراً من الآثار، وهو أشد من أيّ قول شرعاً، وإذا سقط حكم الأشد سقط حكم الأخف من باب أولى، فلا يترتب أثر على أيّ تصرّف قولي مع الإكراه.

فلو أكره على النكاح: فإن العقد لا يثبت، ولا يترتب عليه آثاره: من وجوب المهر، وحِلّ الاستمتاع وما الى ذلك، لما ذكرناه.

وذلك على هذا أيضاً: ما رواه البخاري عن خنساء بنت خذام الأنصارية رضى الله عنها: أن أباها زوّجها وهي ثِّيب، فكرهت ذلك، فأتت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فردّ نكاحها، (أخرجه البخاري في النكاح، باب: إذا زوّج الرجل ابنته وهي كارهة

<<  <  ج: ص:  >  >>