فلو كان القضاء فرض عين على كل من يصلح له لم يكف قاض واحد في كل ناحية.
فإذا قام بهذا الفرض من يصلح له سقط الفرض عن الباقين، وإن امتنعوا ولم يقم به أحد أثموا جميعاً، ووجب على الإمام أن يجبر أحد الصالحين للقضاء على تولي هذا المنصب، والقيام بهذا الفرض.
لذلك قال علماء الشافعية: يجب على الإمام أن يولي في كل مسافة عدوي قاضياً، كما يجب عليه أن يجعل في كل مسافة قصر مفتياً. ومسافة العدوى، هي التي يرجع منها مبكر إلي موضعه ليلاً، أي: إذا خرج من بيته في الصباح الباكر رجع إليه في الليل.
أما إذا تعين للقضاء واحد في ناحية، وذلك بأن لم يصلح غيره، وجب عليه، وكان فرض عيه بالنسبة له، ولزمه طلبه، إن لم يدع إليه لوجود الحاجة إليه، ولا يعذر في رفضه لخوف ميل منه، بل يلزمه، وتحرز من الميل والجور، كسائر فروض الأعيان.
هذا، وإذا عرض القضاء على من يصلح له ليتولاه، وكان في ناحيته من هو أولي منه وأصلح، ورضي أن يتولاه جاز له، وإن كان هناك من هو أولي منه، ما دام قد دعي إليه من غير طلب منه، لأن وجود الأفضل لا يمنع تولي المفضول، ما دام أهلاً له ن وقد ولي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عتاب بن أسيد قضاء مكة، ولم يكن أفضل الصحابة رضي الله عنهم.
[طلب القضاء]
يكره طلب القضاء، إذا كان في الناحية من هو مثله، أو أفضل منه، لورود النهي فيه، والتحذير منه.
روي أبو داود [٣٥٧٨] في الأقضية، باب: في طلب القضاء والتسرع إليه، والترمذي [١٣٢٤] في الأحكام، باب: ما جاء عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في القاضي، عن أنس رضي الله عنه، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال:" من ابتغي القضاء وسأل فيه شفعاء وكل إلي نفسه ومن أكره عليه أنزل الله عليه ملكاً يسدده ".