وروي مسلم [١٧٣٣] في الإمارة، باب [النهي عن طلب الإمارة والحرص عليها] عن أبي موسي الأشعري رضي الله عنه، قال: دخلت على النبي - صلى الله عليه وسلم - أنا ورجلان من بني عمي، فقال أحد الرجلين: يا رسول الله أمرنا على بعض ما ولاك الله عز وجل، وقال الآخر مثل ذلك. فقال:" إنا والله لا نولي هذا العمل أحداً سأله، ولا أحداً حرص عليه ".
هذا ولقد استثني علماء الشافعية من هذه الكراهة ثلاث صور، حكموا باستحباب طلب القضاء فيها:
الأولي: ما إذا كان العالم خاملاً غير مشهور بين الناس، وكان يرجو في طلبه القضاء نشر العلم، لتحصل المنفعة بنشره إذا عرف الناس فضله وعلمه، فيكون لهم به نفع.
الثانية: أن يكون فقيراً محتاجاً إلي الرزق، فإذا ولي القضاء حصل له كفايته من بيت مال المسلمين، بسبب هو طاعة، لما في العدل بين الناس من جزيل الأجر والثواب.
الثالثة: أن تكون الحقوق مضاعة لجور القضاة، أو عجزهم عن إحقاق الحق، فيقصد بطلبه القضاء تدارك ذلك.
وقد أخبر الله تبارك وتعالي عن نبيه يوسف عليه السلام أنه طلب الولاية على الأموال، شفقة على الناس، وإنصافاً لهم، لا لحظ نفسه، ولا لمنفعة تخصه. قال تعالي عنه:{قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَآئِنِ الأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ}(يوسف: ٥٥).
أما إذا كان قصده بطلب القضاء الانتقام من الأعداء، أو التكسب بالارتشاء، أو المباهاة والاستعلاء، فإن طلب القضاء، والحالة هذه حرام، لكونه وسيلة إلي الظلم، وفعل الحرام، وللوسائل حكم المقاصد، كما هو معروف.
روي الترمذي [١٣٣٦] في الإحكام، باب: ما جاء في الراشي والمرتشي في الحكم، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال:" لعن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الراشي والمرتشي في الحكم ".