اعلم أن قتال الكفار وسيلة وليس غاية، فإذا تحقق الهدف المقصود بدون قتال، فذلك هو المطلوب، ولا يشرع القتال حينئذ، وإنما الهدف نزول الكفار الحاكمين عن عروش طغيانهم، والخضوع لحكم الله تعالي في سياسة شعوبهم ورعاياهم، وترك الحقائق الدينية تنتشر على سجيتها في أفكار الناس وعقولهم.
والوسيلة الأولي إلي ذلك إنما هي الدعوة القائمة على المنطق والحوار واستنهاض كوامن الإنسانية والإنصاف والحذر من العواقب في نفوسهم.
فإذا قطع المسلمون الشوط الكافي في سبيل هذه الدعوة بالشرح والبيان ورد الشبه، والكشف عن الغوامض، وبيان المعروف، والأمر به وبيان المنكر والنهي عنه، فإن تحقق الهدف المطلوب بذلك وحده فتلك هي النهاية التي يجب على المسلمين أن يقفوا عندها، لا يطمعون بعدها منهم بأرض ولا مال، ولا حكم ولا سلطان.
وإن لم يتحقق الهدف المطلوب، بأن قوبلت الدعوة بالاستنكار والعناد والصد والمنع، حتى لم يكن من سبيل لإبلاغها دهماء الناس عامتهم، فإن على المسلمين حينئذ أن يتبعوا هذه المرحلة بالمرحلة الثانية التي تليها، بأمر من الحاكم المسلم وبشرط أن يأنس القدرة على ذلك، وهي القتال والمناجزة.
الجزية ثانياً:
قلنا: إن الخطوة الثانية التي تلي مرحلة الدعوة إلي الله بالحكمة والموعظة الحسنة، هي القتال والمناجزة.