اشياء كثيرة لا تتمكن من تهيئتها بنفسها، فلا بد من ان تستعين بمتاع من يساكنها في دارها او يجاورها. ولما كان الاسلام دين التيسير والتعاون - كما ذكرنا - يسّر على الناس وشرع لهم ان ينتفع بعضهم بأمتعة بعض، بإذن منه ورضا، جلبا للمصلحة ودفعا للمضرة، ورفعا للحرج، وحفظا من الارهاق والعنت، كي تسود الألفة والمودة، ويكون الله عز وجل في عون الجميع، طالما ان كلا منهم يسعى ان يكون في عون غيره، مستجيبين لتوجيه رسول الله صلى الله عليه وسلم اذ يقول:"والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه".
وبهذا يحمون أنفسهم من العقاب والعتاب، في يوم عصيب لا ينفع المرء فيه الإ ما قدّم من احسان في هذه الدار، ورعاية للحقوق واداء للواجب. روى جابر بن عبدالله رضى الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "ما من صاحب ابل ولا بقر ولا غنم لا يؤدي حقها، الا أُقعد لها يوم القيامة بقاعٍ قَرْقَرٍ، تطؤه ذات الظِّلْفَّ بظِلْفها، وتنَطحُهُ ذات القرن بقرنها، ليس فيها يومئذً جمّاء ولا مكسورة القرن". قلنا: يا رسول الله، وما حقّها؟ قال:"اطراقُ فحلها، واعارة دلوها، ومنيحتُها، وحلبها على الماء، وحملٌ عليها في سبيل الله". (اخرجه مسلم في الزكاة، باب: اثم مانع الزكاة، رقم: ٩٨٨).
[قاع قرقر: ارض مستوية. تطؤه: تدوسه. الظلف: ما يكون في نهاية القدم من البقر والغنم ونحوها، جماء: لا قرن لها. اطراق فحلها: اعارة الذكر منها لينزو على اناثها. منيحتها: المنيحة هي الشاة او البقرة او الناقة، يعطيها مالكها لغيره لينتفع بلبنها ونحوه زمانا، ثم يردها لمالكها].
حكم العاريَّة:
العاريَّة مستحبة ومندوب اليها، لما سبق من أدلة في بيان مشروعيتها وحكمة التشريع، وقد كانت واجبة في اول التشريع، للتهديد الشديد لمانعها كما علمت، ولكن هذا الوجوب نسخ بالإجماع، وبقى الحكم على الاستحباب، وهذا هو الاصل في حكمها الآن.
وقد تصبح واجبة، اذا توقف عليها انقاذ حياة انسان معصوم، أي غير