للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

٣ - التقابض في مجلس العقد:

وذلك بأن يسلم كل من المتعاقدين البدل الذي في يده للآخر في مجلس العقد قبل التفرّق، سواء أكان البدلان جنساً واحداً كالذهب بذهب أو فضة بفضة، أم كانا جنسين مختلفين كذهب بفضة.

والمراد بالتقابض هنا التقابض الفعلي، فلا بدّ من أن يسلم كل من المتعاقدين ما في يده بحيث يقبضه الآخر، فلو خلّى بينه وبينه ولم يقبضه إياه لم يصح، لأن الشرط القبض الكامل، والتخلية ليست قبضاً كاملاً.

والمراد بالمجلس هنا مجلس الأبدان، وبالتفرّق تفرّق الأبدان، فلو تماشيا معاًً في جهة واحدة لم ينقطع المجلس، حتى يذهب كل منهما في جهة. فإذا افترقا بأبدانهما ولم يقبض أحدهما البدل الذي في يده للآخر لم يصحّ العقد، وكان باطلاً.

ودلّ على اشتراط التقابض قوله - صلى الله عليه وسلم - " ولا تبيعوا منها غائباً بناجز " والناجز الحاضر، وقوله " إلا هاءَ وهاءَ " أي خذ وخذ. وقد مرّ هذا عند الكلام عن أنواع الربا.

وروى مالك مثله عن عمر رضي الله عنه موقوفاً، وفيه زيادة " وإن استنظرك إلى أن يلج بيته فلا تُنْظرْه " إني أخاف عليكم الرّماء " (الموطأ: البيوع، باب: بيع الذهب بالفضة تيراً وعيناً (١): ٢/ ٦٣٢).

[والرماء: هو الربا. يلج: يدخل].

وعن مالك بن أوس بن الحدثان: أنه التمس صرفاً بمائة دينار، قال: فدعاني طلحة بن عبيد الله فتراوضْنا حتى اصْطَرَف منِّي، وأخذ الذهب يقلِّبُها في يده ثم قال: حتى يأتيَنِي خازني من الغابَةِ وعمر بن الخطاب يسمع، فقال عمر: والله لا تفارقه حتى تأخذ منه. ثم قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " الذهب بالوَرِق رباً إلا هاءَ وهاءَ، والبُرّ بالبُرّ إلا هاءَ وهاءَ والتمرُ بالتمر إلا هاء وهاء، والشعيرُ بالشعير رباً إلا هاءَ وهاءَ (البخاري: البيوع، باب: بيع الشعير بالشعير، رقم: ٢٠٦٥.


(١) التبر: الذهب غير المضروب. العين: الذهب المضروب.

<<  <  ج: ص:  >  >>