للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أن يتوجب عليه ردّ بدل لهذا الشيء، فهو بهذا يختلف عن البيع الذي هو تمليك بعوض.

وكذلك هذا التمليك يكون حال الحياة، وبهذا تختلف الهبة عن الوصية، التي هي تمليك بلا عوض، ولكن بعد الموت.

كما تختلف الهبة عن الزكاة التي هي تمليك واجب على المزكّي، بينما الهبة تمليك على سبيل التطوع والتبرع.

والهبة بهذا المعنى تشمل الهدية والصدقة، فإن كلاً منهما تمليك للعين بلا عوض في حال الحياة تطوعاً، وإن كان بين هذه الثلاثة شيء من الاختلاف في المعنى والحكم:

- فالهبة: بالمعنى الذي سبق عامّةُ، سواء أكانت من غني لفقير أم لا، وقصد بها الثواب في الآخرة أم لا، نُقلت العين الموهوبة للموهوب أم لا.

- أما الصدقة: فالظاهر أنها تمليك للمحتاج، تقرباً إلى الله تعالى وقصداً للثواب في الآخرة غالباً.

- وأما الهدية: فالظاهر أنها تمليك لمن يرغب بالتقرّب والتحبّب إليه من الناس، وغالباً ما يكون مع ذلك نقل للموهوب إلى مكان الموهوب له.

وهذا الفارق بين الصدقة والهدية يظهر في قوله - صلى الله عليه وسلم - حين طلب أن يُطْعَم من اللحم - الذي رآه يطبخ وقيل له: إنه لحم تُصُدِّق به على بريرة فقال: " هو عليها صدقةُ، وهو لنا هديَّةّ " (أخرجه البخاري في الزكاة، باب: إذا تحولت الصدقة، رقم: ١٤٢٤. ومسلم في الزكاة باب: إباحة الهدية للنبي - صلى الله عليه وسلم -، رقم: ١٠٧٤) أي فقد اختلف القصد في العطاء، فاختلف الاسم والحكم.

ولهذا المعنى كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يقبل الهدية ويأكل منها، بينما كان لا يأكل من الصدقات. فقد روى البخاري ومسلم - واللفظ لمسلم - عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان إذا أُتِىَ بطعام يسأل عنه: فإن قيل هدية أكل منها، وإن قيل صدقة لم يأكل منها. (البخاري: كتاب الهبة، باب: قبول الهدية، رقم: ٢٤٣٧. ومسلم في الزكاة، باب: قبول النبي - صلى الله عليه وسلم - الهدية وردّه الصدقة، رقم: ١٠٧٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>