٤ - الركن الرابع: الُأجرة: ويشترط في الأجرة ما يشترط في الثمن في العقد البيع، لأن الأجرة في الحقيقة هي ثمن المنفعة المملوكة بعقد الإجارة. فيشترط فيها:
أ - أن تكون طاهرة: فلا يصحّ عقد الإجارة إذا كانت الأُجرة كلباً أو خنزيراً أو جلد ميتة لم يُدبغ أو خمراً، لأن هذه الأشياء نجسة العين. ففي الصحيحين أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نهي عن ثمن الكلب. وفيهما أنه - صلى الله عليه وسلم - قال:" إن الله ورسوله حرم بيع الخمر والميتة والخنزير والأصنام ". (البخاري: البيوع، باب: بيع الميتة والأصنام. وباب: ثمن الكلب، رقم: ٢١٢١، ٢١٢٢. ومسلم في المساقاة، باب: تحريم ثمن الكلب وحلوان الكاهن ومهر البغي، وباب: تحريم بيع الخمر والميتة والخنزير والأصنام، رقم: ١٥٦٧، ١٥٨١).
وكذلك إذا كانت عيناً متنجسة لا يمكن تطهيرها، كالخل واللبن والدهن المائع والزيت والسمن، لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمر بإراقة السمن المائع إذا تنجس. روي ابن حبان عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سئل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن الفأرة تقع في السمن فتموت؟ قال:" إنْ كان جامداً ألقي ما حَوْلَها وأكَلَهُ، وإن كان مائعاً لم يقربه ". وفي رواية:" فأريقوه". (انظر: موارد الظمآن إلي زوائد ابن حبان: الأطعمة، باب: في الفأرة تقع في السمن، رقم: ٣٣١).
فالأمر بإراقته والنهي عن قربه دليل علي أنه لا يمكن تطهيره، وبالتالي لا يجوز بيعه.
ولما كانت هذه الأشياء لا يصحّ بيعها لنجاستها لم يصحّ جعلها أُجرة.
وقيس علي ما ذُكر غيرها من الأعيان النجسة التي لم تذكر، وهي في معناها.
ب - أن تكون منتفعاً بها: فلا يصحّ جعل الأجرة شيئاً لا يُنتفع به: إما لخسْته كالحشرات وكحبَّتي حنطة، وإما لإيذائه كالحيوانات المفترسة، وإما لحرمة استعماله شرعاً كآلات اللهو والأصنام والصور. وذلك لأن هذه الأشياء وأمثالها مما لا نفع فيه لا يُعََد مالاً، فلا يصحّ أخذ المال في مقابلته. والمنفعة التي هي محل عقد الإجارة مال متقوم كما ذكرنا، فلا يصح بذلها في مقابلة ما لا يُعدّ مالاً.