ام لا يزال له الخيار في ذلك، ان شاء دفع وان شاء رجع؟
والجواب: أن عقد الرهن عقد جائز قبل القبض، وأن القبض من تمامه، وشرط لا يلزم إلا به، فما دامت العين المرهونة بيد الراهن كان له الرجوع عن رهنها، فإذا دفعها للمرتهن، وقبضها المرتهن قبضاً صحيحا لزم العقد، وصار من حق المرتهن احتباسه، وليس للراهن واسترداد العين المرهونة إلا برضاه.
ودليل ذلك:
قوله تعالى:"وإن كنتم على سفر ولم تجدوا كتابا فرهان مقبوضة". فالفاء المقرونة بكلمة رهان هي جواب للشرط "وإن كنتم" وجزاء له، ومثل هذه الصيغة من صيغ الأمر، فهو أمر إذن بالرهان التي وصفت بأنها "مقبوضة" والأمر بالشئ الموصوف بصفة يقتضي أن يكون ذلك الوصف من تمامه وشرطاً فيه، لأن المشروع بصفة لا يوجد إلا إذا وُجدت تلك الصفة، فدلّ ذلك على أن عقد الرهن لم يتم إذا لم يحصل القبض، فإذا حصل القبض تمّ، وإذا تمّ فقد لزم.
وكذلك: لو كان الرهن يلزم بدون قبض لم يكن لقوله: "مقبوضة" أية فائدة، وكلام الشارع يُصان عن اللغو وعدم الفائدة، فكان لابدّ من إعتبار هذا الوصف الذي قيِّدت به الرهان ليلزم العقد.
وأيضاً: عقد الرهن فيه معنى التبرّع من جهة الراهن - كما مرّ معنا عند الكلام عن شروط العاقِدَيْن - لأنه لا يستوجب على المرتهن بمقابلة حبس العين شيئا، وعقد التبرّع لا يُجبر عليه القائم به، فلو كان الرهن يلزم بمجرد انعقاده لكان مجبراً على إمضائه، ولذا لابدّ من إمضائه باختياره، وذلك يكون بالإقباض منه والقبض من المرتهن، فإذا حصل إمضاء العقد باختياره صار ملزماً به، وامتنع عليه الرجوع عنه.