ثانيا: عفو المقذوف عن القاذف، كعفو ولي المقتول عن القصاص، لأن هذا الحد حق من حقوق العباد فيسقط بالإسقاط. فإذا عفا المقذوف عن القاذف أمام القضاء؛ سقط الحد بذلك عن القاذف.
والحكمة من أن يكون هذا المسقط خاصاً بالزوج إذا قذف زوجه، هي أن الزوج قلما يتهم زوجته بالزنى أمام الحاكم إلا وهو صادق فيما فعل، وفي تكليفه بإحضار شهود على زناها إحراج له، وجرح لكرامته ومنافاة لما تقتضيه المحافظة على عرضه، وبينهما من التعايش ما لا يسمح بتغاضيه عن الأمر، كما لو كانت أجنبية عنه، من أجل كل ذلك شرع الله اللعان بكل أحكامه التي مرت بك وعرفتها؛ حلا لهذه المشكلة.
روى البخاري عن ابن عباس: أن هلال بن أمية قذف امرأته عند النبي - صلى الله عليه وسلم -: " البينة أو حد في ظهرك"، فقال: يا رسول الله إذا رأي أحدنا على امرأته رجلاً ينطق يلتمس البينة؟! فجعل النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول:"البينة وإلا حد في ظهرك"، فقال هلال: والذي بعثك بالحق إني لصادق، فلينزلن الله ما يبرئ ظهري من الحد، فنزل جبريل وأنزل عليه:{والذين يرمون أزواجهم. . . } فقرأ حتى بلغ:: {إن كان من الصادقين} فانصرف النبي - صلى الله عليه وسلم - فأرسل إليها، فجاء هلال فشهد والنبي ... - صلى الله عليه وسلم - يقول:" إن الله يعلم أن أحدكما كاذب، فهل منكما تائب"، ثم قامت فشهدت، فلما كانت عند الخامسة وقفوهها وقالوا: إنها موجبة، قال ابن عباس: فتلكأت ونكصت حى ظننا أنها ترجع، ثم قالت: لا أفضح قومي سائر اليوم، فمضت، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: " أبصروها فإن جاءت به أكحل العينين، سابغ الأليتين، خدلج الساقين فهو لشريك بن سحماء"، فجاءت به كذلك، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "لولا ما مضى من كتاب الله لكان لي ولها شأن". (رواه البخاري [٤٤٧٠] تفسير سورة النور باب: ويدرأ عنها العذاب أن تشهد أربع شهادات بالله إنه لمن الكاذبين).