قالوا: من يكلم فيها رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟ قالوا: ومن يجترئ عليه إلا أسامة حب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟ فكلم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: أتشفع في حد من حدود الله؟! ثم قام فاختطب فقال: يا أيها الناس إنما أهلك الذين من قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد، وايم الله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها، ثم أمر بها فقطعت يدها". (ورواه مسلم أيضاً [١٦٨٨] في الحدود، باب: قطع السارق الشريف).
وروى أصحاب السنن الأربعة عن صفوان بن أمية رضي الله عنه، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لما أمر بقطع الذي سرق رداءه فشفع فيه: "هلا كان ذلك قبل أن تأتيني به؟ ". [مر تخريجه في الصفحة ٧٨].
وذلك لعموم أدلة هذه الحدود من غير تفصيل ولا استثناء، ولأن حق الله فيها هو المتغلب.
ومعنى أن التوبة لا تسقطها، أي لا تسقط وجوب تنفيذ هذه الحدود في دار الدنيا أمام القضاء، أما ما بين مستحق الحد وربه، فان التوبة الصادقة تسقط جميع تبعات ذلك الجرم، وآثار تلك المعصية يوم القيامة. قال الله تعالى:{وإني لغفار لمن تاب وآمن وعمل صالحاً ثم اهتدي}(سورة طه: ٨٢)، وقال سبحانه:{قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً}(سورة الزمر: ٥٣).
وفي الصحيح عن عبادة بن الصامت أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "بايعوني على أن لا تشركوا بالله شيئاً ولا تسرقوا ولا تزنوا ولا تأتوا ببهتان تفترونه بين أيديكم وأرجلكم ولا تعصوا في معروف، فمن وفى منكم فأجره على الله ومن أصاب من ذلك شيئاً فعوقب في الدنيا فهو كفارة له، ومن أصاب من ذلك شيئاً فستره الله فهو إلى الله إن شاء عفا عنه، وإن شاء عاقبه، فبايعناه على ذلك". (رواه البخاري [١٨] في الإيمان، باب: علامة الإيمان حب الأنصار؛ ومسلم [١٧٠٩] في الحدود، باب: الحدود كفارة لأهلها).
هذا والفرق بين هذا وذاك أن الحدود القضائية في الدنيا تقام من أجل