الغاية الثانية: أن يبدر منهم ما ستوجب نقضها، وذلك بان يصرحوا بنقضهم لها، ويكون ذلك بتصريحهم جميعاً، أو بتصريح ولي أمرهم عنهم بذلك أو بأن يبادروا إلي القتال، أو بأن يكاتبوا أعدائنا بكشف بعض أسرارنا، أو بأن يقتل مسلم على أيديهم.
فإن تضامنوا جميعاً بنقض الهدنة بسبب من هذه الأسباب، وما يشبهها فلا جرم أن المسلمين يصبحون بمجرد ذلك في حل من معاهداتهم ومسالمتهم. أما إن استقل بعضهم بارتكاب واحد من هذه الأسباب فينظر:
_ أن أنكر الباقون، بأن اعتزلوهم، أو ضربوا على أيديهم، أو أعلموا الإمام باستنكارهم فعل إخوانهم، وأعلنوا بقائهم على العهد، لم يؤثر شيء من ذلك على الهدنة، وبقيت أحكامها مستمرة، في حق من لم يبدر منهم سؤ.
ـ وإن لم ينكروا بقول ولا فعل مع علمهم بذلك، انتقضت الهدنة في حقهم جميعاً.
وإذا استشم إمام المسلمين بوادر الخيانة في صفوف المهادنين، أي لاحظ مجرد مقدمات لها، دون أن يعثر على خيانة مادية يمكن الاعتماد عليها في إنهاء عقد الهدنة، لم يكن له نقض الهدنة إلا بعد أن يعلن عليهم جميعاً أن المسلمين مقدمون على إلغاء الهدنة التي بينهم وبين المسلمين، بسبب ما قد بدر من دلائل الخيانة في صفوفهم.
ويستدل على ما ذكرنا بقول الله عز وجل:{َمَا اسْتَقَامُواْ لَكُمْ فَاسْتَقِيمُواْ لَهُمْ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ}(سورة التوبة: ٧)، وقلوه تبارك وتعالي:{وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِن قَوْمٍ خِيَانَةً فَانبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاء إِنَّ اللهَ لاَ يُحِبُّ الخَائِنِينَ}(سورة الأنفال: ٥٨).
[فانبذ إليهم على سواء: أي اطرح إليهم عهدهم على علم منك ومنهم].
فإذا أعلمهم ببوادر خيانتهم، وطرح لهم عهدهم حل للمسلمين قتالهم