والمجتهد هو من يعرف من الكتاب والسنة ما يتعلق بالأحكام ما يتعلق الأحكام، ولا يشترط حفظ تلك الأدلة عن ظهر قلب، بل يكفي ان يعرف مظانها في أبوابها، فيراجعها وقت الحاجة، ويعرف خاص الأدلة وعامها، ومجملها ومبينها، وناسخها ومنسوخها، ومتواتر السنة وآحادها، والمتصل والمرسل، وحال الرواة قوة وضعفاً، ويعرف لسان العرب لغة ونحواً، وما لا بد منه في فهم الكتاب والسنة، لأنه لسان الشرع الذي نزل به الكتاب، ونطقت به السنة. ويعرف أقوال العلماء من الصحابة ومن بعدهم إجماعاً واختلافاً، ويعرف القياس بأنواعه.
هذا في المجتهد المطلق، أما المجتهد المقيد، فيشترط فيه معرفة مذهب إمامه.
والأصل في هذا الشرط ـ الاجتهاد ـ ما رواه أبو داود [٣٥٧٣] في الأقضية، باب: القاضي يخطيء، عن بريدة بن الخصيب رضي الله عنه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال:" القضاة ثلاثة: واحد في الجنة، واثنان في النار، فأما الذي في الجنة فرجل عرف الحق وقضي به، ورجل عرف الحق فجار في الحكم، فهو في النار، ورجل قضي للناس على جهل فهو في النار ".
ويدل على هذا الشرط أيضاً ما رواه البخاري [٦٩١٩] في الاعتصام بالكتاب والسنة باب: أجر الحاكم إذا الحاكم إذا اجتهد فأصاب أو أخطأ، ومسلم [١٧١٦] في الأقضية: باب: بيان أجر الحاكم إذا اجتهد فأصاب، أو أخطأ، ومسلم عن عمرو بن العاص رضي الله عنه، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " إذا حكم الحاكم فاجتهد فأصاب فله أجران ن وإذا حكم فاجتهد فأخطأ فله أجر ".
فقد دل هذا الحديث على أن القاضي الذي يصح أن يحكم بين الناس، ويمضي حكمه هو الذي لديه أهلية الاجتهاد ولا تتوفر تلك الأهلية إلا إذ تحقق الشرط السابق الذي ذكرناه بكل تفصيلاته.
قال الإمام النووي رحمه الله تعالي في " شرحه على مسلم "[١٢/ ١٣] " (قال العلماء: أجمع المسلمون على أن هذا الحديث في حاكم عالم أهل للحكم، فإن أصاب فله أجران: أجر باجتهاده، وأجر بإصابته، وإن أخطأ فله أجر اجتهاده، فأما