فهذه الأنواع حق خالص لله تعالى، وإنما كان تشريعها لتحقيق مصالح الناس العامة، فلا يملك المكلف أن يسقط منها شيئاً، لان المكلف لا يملك أن يسقط إلا حق نفسه، وهذه ليست له، وإنما هي من حقوق الله تعالى، ولا يتوقف الحكم فيها على دعوى من المكلف أمام القضاء، كما أسلفنا.
القسم الثاني: أحكام شرعت وكان المقصود بها مصلحة المجتمع والمكلف معاً، غير أن مصلحة المجتمع فيها أظهر، فحق الله فيها غالب.
وحكم هذا القسم، كحكم ما هو حق خالص لله تعالى، لا يملك المكلف إسقاطه، ولا يتوقف الحكم فيه على دعوي أمام القضاء.
القسم الثالث: أحكام شرعت، وكان المقصود بها مصلحة المكلف خاصة، فحكمها حق خالص لمكلف، مثال ذلك تضمين من أتلف مالاً بمثله أو قيمته، وهذا حق خالص لصاحب المال. وحبس العين المرهونة حق خالص للمرتهن. واقتضاء الدين حق خالص للدائن.
فالشارع الحكيم أثبت هذه الحقوق لأصحابها، وجعل لهم الخيرة في أمرها، فإن شاؤوا استوفوها، وإن شاؤوا أسقطوها ويتوقف الحكم فيها على دعوى عند القاضي، وليس للقاضي أن يتبرع بإقامة الدعوى نيابة عنهم بغير دعواهم.
القسم الرابع: أحكام شرعت وكان المقصود بها مصلحة المكلف والمجتمع غير أن مصلحة المكلف فيها أظهر وأغلب. وحكم هذا القسم كحكم القسم الثالث، وهو ما كان حقاً خالصاً للمكلف، ومثاله القصاص من القاتل عمداً، وحدٌ القذف من القاذف، فلا بد لاستيفائها والحكم بهما من إقامة دعوى عند القاضي.
يقول الإمام النووي رحمه الله تعالى، في متن المنهاج:(تشترط الدعوى عند قاض في عقوبة كقصاص وقذف، فلولي الدم أن يعفو عن القصاص، وله أن يسامح بالدية. وكذلك للمقذوف أو المقذوفة أن يسقط حقه في الحد ويسامح به).
وبعض العلماء يجعل حد القذف مما غلب فيه حق الله تعالى، فلا يتوقف