كتاب الفقه المنهجي على مذهب الإمام الشافعي

الحج والعمرة أحكامها الفقهية وأدلتها وأسرارهما - حجة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ج: 2 - ص: 171

وهلله ووحده، فلم يزل واقفاً حتى أسفر جداً، فدفع قبل أن تطلع الشمس، وأردف الفضل بن عباس وكان رجلاً حسن الشعر أبيض وسيماً (١)، فلما دفع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مرت به ظعن

يجرين (٢)، فطفق الفضل ينظر إليهن فوضع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يده على وجه الفضل، فحول الفضل وجهه إلى الشق الآخر ينظر، فحول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يده من الشق الآخر على وجه الفضل يصرف وجهه من الشق الآخر ينظر، حتى أتى بطن محسر. فحرك قليلاً ثم سلك الطريق الوسطى التي تخرج على الجمرة الكبرى، حتى أتى الجمرة التي عند الشجرة فرماها بسبع حصيات، يكبر مع كل حصاه منها، مثل حصى الخذف رمى من بطن الوادي، ثم انصرف إلى المنحر فنحر ثلاثاً وستين بيده (٣)، ثم أعطى علياً فنحر ما غبر (٤)، وأشركه في هديه، ثم أمر من كل بدنة ببضعة فجعلت في قدر فطبخت فأكل من لحمها وشرب من مرقها. ثم ركب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأفاض إلى البيت (٥)، فصلى بمكة الظهر.

فأتى بني عبد المطلب يسقون على زمزم فقال: انزعوا (٦) بني عبدالمطلب فلولا أن يغلبكم الناس (٧) على سقايتكم لنزعت، فناولوه دلواً فشرب منه.

---

(١) وسيما: جميلاً.
(٢) الظعن: جمع ظعينة، وهي البعير الذي عليه امرأة، ثم سميت به المرأة مجازاً لملابستها البعير.
(٣) فنحر ثلاثاً ستين بيده: فيه دليل على استحباب تكثير الهدي، وكان هدي النبي مائة بدنة.
(٤) ما غبر: ما بقي.
(٥) أفاض إلى البيت أي طاف بالبيت طواف الإفاضة ثم صلى الظهر.
(٦) انزعوا: استقيموا بالدلاء وانزعها بالرشاء (الحبال).
(٧) فلولا أن يغلبكم الناس: لولا خوفي أن يعتقد الناس أن ذلك من مناسك الحج فيزدحموا عليه بحيث يغلبونكم ويدفعونكم عن الاستقاء لاستقيت معكم لكثرة فضيلة هذا الاستقاء.