فقيراً وعليه غرامات سلطانية لا يقوم بدفعها إلا بعد الجهد والنكال فلم يستلذ المترجم بالاقامة فيها فكر راجعاً على عقبه إلى مكة المشرفة من عامه وفي سنة خمسين ومائة وألف أخذ عهد الخلوتية بمكة المشرفة عن الأستاذ السيد مصطفى البكري وأسمعه وحدة الوجود لمنلا جامي سماع بحث وتقرير فحصل له ببركة الأستاذ غاية الفتوح وفي سنة إحدى وخمسين توجه من مكة المشرفة إلى البلاد اليمنية فدار في مدنها سبع سنين وفيها قرأ على الشيخ العلامة إسمعيل بازي أحد القراء الذين أخذوا عمن أخذ عن العلامة ابن الجزري ثم رجع إلى مكة المشرفة ومكث فيها سنتين ثم رجع إلى اليمن وحظى بها بالامام وأقاربه بسبب القراءة لأنه كان يقرأ للأربعة عشر قراءة تحقيق واتقان واشتهر هناك وضاع صيته للأخذ عنه وتسري بجارية حبشية ورزق منها أولاداً ثم في سنة ثمان وستين عزم على الرحيل وتوجه من اليمن إلى مكة المكرمة وحج ورجع إلى وطنه الأصلي غزة فدخلها سنة تسع وستين ومائة وألف وكان واليها إذ ذاك الوزير حسين باشا ابن مكي فأنزله على الرحب والسعة وصار يتردد على ابن شيخه السيد مصطفى البكري وهو شيخنا أبو الفتوح كمال الدين وقرأ عليه حصة من شرح الفصوص وحصة من شرح التائية الفارضية للشيخ عبد الغني ابن إسمعيل النابلسي وحصة في علم الفرائض قراءة مذاكرة وتمرين واستجازه بالرواية عنه فأجازه وأعطاه يوماً أبياتاً له في مدحه وهي قوله
عليك ببكريّ يسرّك وجهه ... وإن كنت محتاجاً يفيدك ماله
له رتبة في ذروة الفضل قد سمت ... فياليت لي يا صاح فينا كماله
إليك عظيم الوجد أشكوه سيدي ... فبالله خبرني فديتك ماله
أراك لذي الدنيا غياثاً لأهلها ... وللدين يا ابن الأكرمين كماله
وبقي إلى سنة ثمان وثمانين ومائة وألف فمرض بها ومات رحمه الله تعالى وكان في حيز نفسه ساكناً وقوراً عنده من كل علم ما يكفيه له معرفة برواية الشعر نقده وتمييزه وكان من الفقر على جانب عظيم مع قلة الشكوى والصبر على البلوى وترك أولاداً هم الآن في غزة هاشم.
[يوسف الشرواني]
ابن إبراهيم بن محمد أكمل الدين الزهري الشرواني الأصل والمولد المدني الحنفي العالم المحقق النحرير المدقق الفقيه المحدث المتقن الجامع بين الرواية والدراية الصدر المحتشم قدم إلى المدينة المنورة بعد أخيه علي أفندي المار ذكره في سنة ثمانين وألف واشتغل