وكان مستقيماً في مكان والده وهو المسجد الذي تجاه دار بني حمزة النقباء بدمشق في زقاق النحاسين بالقرب من باب الفراديس ثم في آخر أمره بنى له زاوية كانت معدة في الأصل لطبخ القهوة تجتمع بها الأسافل والرعاع من الناس وأهل الضلال والفجور والقمار وكانت لهم فأخرجها الله من الظلمات إلى النور وجاءت من أحسن الأبنية وهي في محلة العمارة بدمشق لصيق باب الفراديس واستقام الشيخ المترجم بها مدة قليلة وبالجملة فقد كان من صلحاء الناس والمشايخ المعتقدين وكان مرض وطال مرضه مقدار ستة أشهر وتوفي وكانت وفاته في ليلة السبت ثاني يوم من صفر سنة خمس وتسعين ومائة وألف ودفن بالزاوية المزبورة وقبره معروف رحمه الله تعالى ورثاه صاحبنا الكمال محمد بن محمد الشهير بابن الغزي بقصيدة بديعة مثبتة في ديوانه ومطلعها قوله
عبد الرحمن بن زين العابدين المعروف كأسلافه بالغزي الشافعي الدمشقي الشيخ الامام الفقيه الفرضي النحوي الأديب زين الدين أبو الفضل ولد يوم الخميس سابع رجب سنة خمسين وألف ونشأ في كفالة والده فأقرأه القرأن العظيم وأحضره دروس عمه النجم واستجاز له منه واشتغل بطلب العلم بعد وفاة والده فقرأ في مبادئ العلوم على شيوخ عصره واشتغل بالفقه على الامام الحبر الشيخ محمد البطنيني وعلى الشيخ محمد العيثي وعلى الشيخ علي الكاملي ومن مقروآته شرح التحرير لشيخ الاسلام وشرح المنهج وشرح الزيد للرملي الكبير وشرح الغاية للشربيني وحضر دروس الشيخ عبد الباقي الحنبلي وأخذ عنه الفرائض والمصطلح وقرأ الفرائض على الشيخين الفرضيين منصور الصالحي ورجب الميداني وبرع في هذه الفنون الثلاثة وفي استحضار مسائلها ومواضع النقول منها وكان له حافظة قوية وذهن ثاقب وفكر صحيح وحفظ مختصرات في عدة فنون وقرأ أطرافاً من الكتب الستة على الشيخ محمد البطنيني المذكور وأجازه بالافتاء والتدريس فأفتى ودرس وقرأ المعاني والبيان على الشيخ محمد المحاسني الخطيب والنحو على العلامة المنلا محمود الكردي ولازم الشيخ عبد الباقي الحنبلي وحضر دروسه بالجامع الأموي بين العشائين وصحب الولي الكبير السيد محمد العباسي الخلوتي وبرع في الفقه والفرائض والحساب وكان يحفظ من الشعر المتعلق بالمواعظ والحكم والتربية شيأً كثيراً وكان ديناً صالحاً عابداً كثيراً القيام بالليل والتهجد مشتغلاً بخويصة نفسه سليم الصدر لا يعرف