ولما توسم النجابة فيه زوجه بابنته وأظهر بين أقرانه علو رتبته وباشر افتاء القدس عنه مرات متعددة بطريق الوكالة أخبر ولده بأنه لم يعهد نفسه الا في حفظ القرآن وتجويده وله من التآليف كتاب في الفقه غزير الفوائد سماه الفوائد الفتاحية في فقه الحنفية وله فتاوي لطيفة جمعها مدة مباشرته الفتيا وكانت وفاته في أواخر سنة ثمان وثلاثين ومائة وألف وسيأتي إن شاء الله تعالى ذكر ولديه مصطفى ومحمد في محلهما رحمهما الله تعالى.
[عبد الفتاح بن مغيزل]
عبد الفتاح بن مصطفى بن عبد الباقي بن عبد الرحمن بن محمد المعروف بابن مغيزل الشافعي الدمشقي الفاضل الأديب البارع الطبيب كان له في الأدب وفنونه الاطلاع والوقوف التام مع مهارة في علم الطب والحكمة دمث الأخلاق حسن العشرة طيب المذاكرة سلم الناس من يده ولسانه لا يعتني فيما لا يعنيه ولا يشغل نفسه بشيء إلى المذلة بدنيه ولد بدمشق في سنة اثنين وعشرين ومائة وألف كما أخبرني من لفظه واشتغل بطلب العلم بعد أن تأهل له فقرأ على جده السيد عبد الباقي والشيخ محمد الحبال والشيخ إسمعيل العجلوني والشيخ محمد الديري وانتفع على الشيخ محمد قولقسز وقرأ أيضاً على الشيخ محمد الغزي الفرضي مفتي الشافعية بدمشق وعلى الشيخ أحمد المنيني والشيخ صالح الجينيني والشيخ علي كزبر وحضرهم وأخذ عن الأستاذين العارفين الشيخ عبد الغني النابلسي والشيخ مصطفى الصديقي وفي آخر أمره لازم الشيخ عمر البغدادي نزيل دمشق وحضره في الفتوحات المكية وشرح فصوص الحكم للجندي وغيرهما وكان تحفة ندمانه وشمامة خلانه مصطحباً زمرة أفاضل وأدباء وسادة وكان يكثر التردد إلى بني حمزة النقباء بدمشق وهو من خواصهم وكان في الطب يراجع ويعالج المرضي وكانت عليه وظائف قليلة فرغها لأبن أخيه عند موته وفي آخر أمره حصل له داء المفاصل فنكد عيشه وأفناه وأعله وأضناه فكان تارة يخرج من البيت وتارة يستقيم وملازمته لداره أكثر وصدق عليه قول القائل
ومن حكم المولى التي تبهر النهى ... طبيب يداوي الناس وهو عليل
ولم يزل مرضه يزداد إلى أن مات ومن شعره الباهي ما كتبه إلى حين قدمت من الديار الروميه ممتدحاً