من معجزات الأدب ونادرة العرب وكان له فضل وفصاحة وبلاغة وفيه مجون ومحاضرة لطيفة رقيق الطبع أنيق النظم حسن المعاشرة لطيف المباحثة والمناظرة في كل فن له دخول وإلى كل ذروة وصول وله مجون أنيق ونزاهة ظريفة وربما طلب منه التاريخ باسم معين فيقول الشرط فلا يخطي العدد ودخل حلب فاجتمع بادبائها وتطارح مع فضلائها وقال له يوماً بعض الأفاضل أريد أن اشوشك فقال يا سيدي فرجني وهذا يسمى في البديع بالأسلوب الحكيم والقول بالموجب كقوله مثل الأمير من يحمل على الأدهم والأشهب وقد قال له الحجاج لأحملنك على الأدهم مريداً القيد وذلك غير خاف وله في المعاتبات المرقص المطرب وكذا في كل فن وتوفي في سنة احدى وأربعين ومائة وألف ودفن في الموصل وترجمه في الروض فقال هذا الأديب الذي رفعه المجد وأوقعه من الكمال النجد امطر واستبرق وأثمر في المعارف وأورق أسهر في ليالي الفضائل وأسهد وسابق في ميدان المعارف فأبعد أسفر عن البلاغة صباحها وصير نفسه جناحها فلم يبق من البيان مورد الا ورده ولا عقد الا وقد أحرزه وأصفده ومن شعره قوله يمدح على أفندي العمري
ربع الشباب هو الربيع الأينع ... ورياضه لذوي البلاغة مرتع
أكداره صفو المشيب وماؤه ... خمر وظلمته شموس تطلع
فاغنم لذيذ حياته فالمرء لا ... يدري لعمرك أين منه المصرع
لا تجعلن العيش منه مؤجلاً ... ما فاز باللذات الا مسرع
وأنهز إلى فرض الزمان فإنه ... ما مر من أيامه لا يرجع
ومنها
يا لائمي باللهو في زمن الصبا ... لست النصوح ولست ممن يسمع
اني امرء لا يلوي عن لذاته ... ان شئتموا أو لا فلوا أودعوا
اني عليك أخا الشباب المشفق ... ان كنت لي فيما أرى لك تتبع
وأصل به الأخوان أصحاب الوفا ... ممن له ان غاب كاس يكرع
صل بالغبوق صبوحه واشر على ... نغم البلابل حيثما هي تسجع
بكر معتقة إذا جلبت غدت ... منا العقول بها عليها تخلع
من كف ظبي تحكها وجناته ... غنج من التقبيل لا يتمنع