الصلحاء قدم هو وأخوه الشيخ محمود الجزري إلى دمشق واستوطناها وكان أبو الثناء محمود عارفاً بالأوفاق والزايجه والسيمياء وغالب هذه العلوم تعاطاها بدمشق وراج أمره بها واستقامت أحواله مع صلاح وتقوى واعتقده الناس وله مناقب غريبة في هذه الأشياء وأما والد المترجم فلم يتعاط هذه الأشياء نبغ له هذا وأخوه الشيخ محمد الكاتب تعان الكتابة وقد أدركته وأما المترجم فقأ القرآن على شيخنا البرهان إبراهيم بن عباس الدمشقي وغيره وتلاه مجوداً وأخذ بعض العلوم وقرأ مقدماتها وحضر دروس الأجلاء كالشيخ الإمام المسند أبي الفتوح أسعد بن عبد الرحمن المجلد وأبي عبد الله محمد بن محمد بن سعد الدين العبوي وقرأ على الأول الفقه وعلى الثاني النحو ونظم الشعر وأم وخطب في جامع الصوفا الكائن بالقرب من محلة سوق صاروجا وولي كتابة بعض الأوقاف وحضر دروس والدي في السليمانية وكان يقرأ لديه العشر من القرآن العظيم اجتمعت به كثيراً وكان يزورني وصحبته وسمعت من أشعاره وسمع مني توفي يوم السبت خامس عشر شعبان سنة ثمان وتسعين ومائة وألف وصلى عليه بالجامع الأموي ودفن بمقبرة مرج الدخداح خارج باب الفراديس ومن شعره ما أنشد من لفظه لنفسه يمدح به بعض الرءساء ويهنيه ببناء مكان ومطلع القصيدة
نزهة الروح والفؤاد بناء ... نتهادى في ظله النعماء
سيماموئل بروضة أنس ... شاده للمكارم الكرماء
هو للسعد طالع ومقر ... للتهاني يدوم منه الثناء
بسناء أضاء رونق صرح ... أخجل النيرين منه الصفاء
عطر رياه غم قطر دمشق ... حيث فاحت زهوره والشذاه
وكذب الرضاب ماء معين ... لفؤاد المشوق منه ارتواء
مزريا بالرياض من شعب بو ... وان الذي فيه هامت الشعراء
جفه لطف ذي الوقار فأضحى ... روض أمن به أقام البهاء
هو صدر الكرام مجد أو فخرا ... أوحد الدهر من له الآراء
فاق بالفضل غيره فتراه ... بحر علم تؤمه الفضلآء
يا فريد الخصال لا زلت ركنا ... لك يسعى الفخار والعلياء
نعم قابلت هلاك فشكرا ... لجزيل العطا ونعم العطاء
وحياك الاله أسمى مقام ... ما البدر السما إليه ارتقا