بغزة وقدم دمشق واستوطنها ودرس بالجامع الأموي وفي مدرسة الوزير سليمان باشا العظم الذي أنشأها بالقرب من داره داخل زقاق باب البريد ولزمه جماعة من الطلبة واستمر على الأقراء والافادة وكان منهمكاً بحب الدنيا وكان يكثر الترداد على آغة أوجاق اليرلية بدمشق يوسف أغا الشهير بابن جبري وله عنده مزيد الرفعة وتردد إلى الوالد أيضاً وكان الوالد يحسن إليه ويبره ويشهد بأدبه ونبله وله فيه الشعر والمديح فمن نظمه ما امتدح به والدي بقوله
عيون المها ردي سهامك عن نحري ... فمالي على رشق اللواحظ من صبر
وابق على الصب المتيم قلبه ... فقد راعه ما في الجفون من السحر
إلى الله أشكو ان في القلب لوعة ... تقلب أحشاء المحب على الجمر
وأجفان عين قد تجافت عن الكري ... فما تلتقي الا على دمعة تجري
سلوا لليل يخبركم دجاه بأنني ... أبيت سميراً لنجم فيه إلى الفجر
أبت مقلتي الا مجانبة الكري ... فواخجلي هل لي إلى الطيف من عذر
أهيم اشتياقاً نحو دار ألفتها ... فآهاً وآهاً ثم آهاً على مصر
ترقرق ماء النيل فيها كأنه ... لجين مذاب فوق أرض من التبر
ولولا بقايا طعمه في مذاقتي ... لما ظهرت تلك الحلاوة في شعري
وقائله لما رأت ما أصابني ... وصبري على داء أمر من الصبر
أتذكر مصراً بعدما صرت داخلاً ... رحاب هلال المجد في وجنة الدهر
على علا معنى العلا باشتراكه ... له في اشتقاق صار في السر والجهر
إليه أنتهي ما في النهى من مدائح ... جواهره في الجيد تزهو وفي النحر
له في مقام الجمع فرق وانما ... حقيقته التوحيد في عالم الذر
إلى الغير لم ينظر وإن حان لفتة ... فتلك مبادي الأمر من مبدأ السر
يربى مريديه بأدنى التفاتة ... ولولا المرادي ما نظرت سنا البدر
فإن مدحوه باكتساب معارف ... أقول علوم الوهب في صدره تجري
وإن خاض بحر البحث منه جداولاً ... تفجر من عين الحقيقة بالدر
فما الفخر في التفسير ما المجد في اللغة ... وما ابن دريد منه في النثر والشعر
وما السعد في علم المعاني وغيره ... إليه سوى مثل القلامة في الظفر
تنال به الفتيا بأوراقها على ... فضائله كالطل في مبسم الزهر
فطرزها منه اليراع بدائعاً ... لو أبصرها النعمان قال بها فخري
تجارت معاليه إلى غير غاية ... فغايتها قول الخلائق لا ندري
فيا واحد الدنيا وبيت قصيدها ... وشامة وجه الشام من غير ما نكر