انتقل والده من ذلك إلى طريق الحكومة بسبب انتسابهم لبني العظم حكام الشام وكان ولده المترجم عاقلاً له معرفة مع حسن التدبير والعقل ومعرفة أمور السياسة وأحكامها وله باع في الأدب وشعره عليه طلاوة وقد تولى حكومة قلعة تلبيسة الكائنة بين حمص وحماه من طرف الدولة العلية بعد وفاة والده وهذه القلعة أصل بنائها في زمن الوزير سليمان باشا العظم وعينت الدولة بها ينكجرية بعلائف وتعايين سلطانية لأجل حفظ الطرقات للحج وغيره وبالجملة فهو أثر حسن واستقام المترجم بها إلى أن مات ومع ضبطه لها تولى من طرف ولاة دمشق حكومة حماه وحمص ومما وصلني من شعره قوله مشطراً قصيدة سيدي عمر ابن الفارض رضي الله عنه
قلبي يحدثني بأنك متلفي ... والجسم يخبرني بأنك مضعفي
إن كان لا يرضيك غير منيتي ... روحي فداك عرفت أم لم تعرف
لم أقض حق هواك إن كنت الذي ... جعل اللحاظ لموطئ المتصرف
فجميع ما جرت علي من الأسى ... لم أقض فيه أسى ومثلي من يفي
مالي سوى روحي وباذل نفسه ... في عشقه ما أن يعد بمتحف
وعلى الحقيقة من يضيع روحه ... في حب من يهواه ليس بمسرف
فلئن رضيت بها فقد أسعفتني ... وبذاك أرقى للمقام الأشرف
فاعطف وساعدني وكن لي مسعفاً ... يا خيبة المسعى إذا لم تسعف
يا مانعي طيب المنام ومانحي ... هجراً أحد من الحسام المرهف
يا بغية الآمال قد ألبستني ... ثوب السقام به ووجدي المتلف
عطفاً على رمقي وما أبقيت لي ... رمقاً فكن يا ذا الملاحة منصفي
فارحم بقية ما تبقى منيتي ... من جسمي المضني وقلبي المدنف
فالوجد باق والوصال مماطلي ... والهجر نام والمعذب لا يفي
والجسم بال والدموع ذوارف ... والصبر فان واللقاء مسوفي
لم أخل من جسد عليك فلا تضع ... شغفي وفرط توجعي وتلهفي
وارحم أنيني في هواك ولا تطل ... سهري بتشنيع الخيال المرجف
وأسأل نجوم الليل هل زار الكرى ... عيناً توقد نارها لم تنطف
وأسأل من الواشين هل زار السها ... جفني وكيف يزور من لم يعرف
لا غرواً إن شحت بغمض جفونها ... عين تعودت الجفا من أهيف
جادت بلؤلؤها الرطيب لبعده ... عيني وسحت بالدموع الذرف
وبما جرى في موقف التوديع من ... شغل الهوادج كاد جسمي يختفي