وله رضي الله عنه غير ذلك من التصانيف والتحريرات والكتابات والنظم وكان عالماً مالكاً أزمة البراعة واليراعة فقيهاً متبحراً يدري الفقه ويقرره والتفسير ويحرره غواصاً على المسائل خبيراً بكيفية الاستدلال والدلائل ذا طبع منقاد وبديهة مطواعه كما قيل
إذا أخذ القرطاس خلت يمينه ... تفتح نوراً أو تنظم جوهراً
مصون اللسان عن اللغو والشتم لا يخوض فيما لا يعنيه ولا يحقد على أحد يحب الصالحين والفقراء وطلبة العلم ويكرمهم ويجلهم ويبذل جاهه بالشفاعات الحسنة لولاة الأمور فتقبل ولا ترد معرضاً عن النظر إلى الشهوات لا لذة له الا في نشر العلم وكتابته رحيب الصدر كثير السخاء وله كرمات لا تحصى وكان لا يحب أن تظهر عليه ولا أن تحكي عنه هذا مع اقبال الناس عليه ومحبتهم له واعتقادهم فيه ورأى في أواخر عمره من العز والجاه ورفعة القدر ما لا يوصف ومتعه الله بقوته وعقله فكان يصلي النافلة من قيام ويصلي التراويح في داره اماماً بالناس إلى أزمات ويقرأ الخط الدقيق ويكتب في تصانيفه كشرح البيضاوي وغيره بعد أن جاوز التسعين وكنت عزمت على أن أشنف الأسماع بشيء من شعره ونثره ثم رأيت إن الله سبحانه وتعالى قد نشرهما في البلاد فشعره ينشد في المحافل ويحفظه الناس وسار مسير الشمس في كل بلدة وتطرزت به المجاميع من الآداب فاقتصرت من بحر ترجمته على هذه القطرة ومن كنز مآثره ومناقبه على هذه الشذرة وقد أخذ عنه الوالد وأجازه حين ختم عليه الجد الفتوحات المكية ودعا له وشملته بركاته وأما احصاء فضائله فلا تطاق بترجمه وتصير منها بطون الأوراق مفعمه وبالجملة فهو الأستاذ الأعظم والملاذ الأعصم والعارف الكامل والعالم الكبير العامل القطب الرباني والغوث الصمداني من أظهره الله فأشرقت به شموس الارشاد والعلوم وأظهر خفيات ما رق عن الافهام وصير المجهول معلوم وقد حاز تاريخي هذا كمال الفخر حيث احتوى على مثل هذا الامام الذي أنجبه الدهر وجاد به العصر وهو أعظم من ترجمته علماً وولاية وزهداً وشهرة ودراية مرض رضي الله عنه في السادس عشر من شعبان سنة ثلاث وأربعين ومائة وألف وانتقل بالوفاة عصر يوم الأحد الرابع والعشرين من الشهر المذكور وجهز يوم الأثنين الخامس والعشرين من الشهر وصلى عليه في داره ودفن بالقبة التي أنشأها في أواخر سنة ست وعشرين ومائة وألف وغلقت البلد يوم موته وانتشرت الناس في جبل الصالحية