وبقي فيها برهة ثم أطلق سبيله فعاد إلى الموصل فلم يدخلها حتى وصل أربل فلم يتمكن من مجاوزتها ومكث مدة ثم أمر به إلى قرية في قرب بغداد تعرف بالدجين ومكث هناك يسيراً ثم أمر به إلى الحلة وقد قاسى الأهوال العظيمة وكان بعد موت سليمان باشا قد جعل نائباً في الحكومة والامارة قائماً مقامه حتى ورد الأمر الشريف بعزله وولي ذلك الوزير المكرم أمين باشا ومعادات الوزرا له سببها ولايته أمر بغداد وبذله الأموال حتى صار في الكرم والسخاء حاتم زمانه ومأمون أوانه وقد مدحه من الشعراء الجم الغفير بالقصائد البديعة وبعد انقضاء أيام الحصار وكشف تلك الغمة سافر صحبة الوزير محمد أمين باشا إلى القسطنطينية وفي عوده منها دخل حلب الشهباء وبالجملة فقضاياه ومناقبه تحتمل أسفاراً عديدة وله مؤلف حافل في تراجم أبناء العصر سماه الروض النضر حذافيه حذو الريحانة والنفحة وله شعر كثير فمن ذلك قوله من قصيدة يتشوق بها إلى بلدته الموصل
ما فاح نشر صبا تلك المعالم لي ... إلا وأذريت دمع العين في وجل
ولا شدا الورق في أيك على فنن ... إلا وصرت لشوقي جاري المقل
ولا تذكرت أوطاني ومنزلتي ... إلا وأيقنت إن العز بالنقل
أين العراق وتلك الداراين سنا ... تلك الجنان ففيها قد حلا غزلي
أين الأهيل أصيحابي بنواربي ... يا حسرتا لفراق الأهل والخول
ومنها
لله إذ كنت فيها في صفا وهنا ... وطيب عيش مضى أحلى من العسل
ومنها
الغيث فيها لذيذ قد حلا وغلا ... ونلت فيها مني خال من الزلل
والدهر قد ضمنت أيامه جدلا ... وأكمنت لي ليالي السود للجدل
فما شعرت بقدر الدهر من سفه ... وما انتبهت له حتى تنبه لي
فصار يلفظني أيدي سبا حنقا ... على معاملتي إياه في الأزل
٣ - يوماً بحزوي ويوماً بالعقيق وبال ... حزون يوماً ويوماً ذروة الجبل
والعز يوماً ويوماً رفعة وعلا ... والذل يوماً ويوماً رتبة السفل
فأنحل عقد اصطباري لوعة وغدا ... صحيح حال محل الفكر والعلل
كيف الوصول وهذا الدهر يقعدني ... عن النهوض إلى لذاتنا الأول
بذلت جهدي فلم تنفع مجاهدتي ... واحتلت فيه فلم تنفع به حيلي