متشوقين للرحيل والرجوع إلى الأوطان فاجتمعوا إليه في اليوم الذي نزل به ما نزل في ليلته فتبين لهم من كلامه عدم العود وإنه يريد تقليدهم المناصب والأحكام بالديار الشامية وبلاد السواحل وأمرهم بإرسال المكاتبات إلى بيوتهم وعيالهم بالبشارات بما فتح الله عليهم وما سيفتح لهم ويطمنونهم ويطلبون احتياجاتهم ولوازمهم المحتاجين إليها من مصر فعند ذلك اغتموا وعلموا أنهم لا براح لهم وإن أمله غير هذا وذهب كل إلى مخيمه يفكر في أمره قال الناقل وأقمنا على ذلك الثلاثة أيام التي مرض فيها وأكثر لا يعلم بمرضه ولا يدخل عليه إلا بعض خواصه ولا يذكرون ذلك إلا بقولهم في اليوم الثالث إنه منحرف المزاج فلما كان في صبح الليلة التي بات بها نظرنا إلى صيوانه وقد انهدم ركنه وأولاد الخزينة في حركة ثم زاد الحال وجرد وأعلى بعضهم السلاح بسبب المال وظهر أمر موته وارتبك العرضي أردو وحضر مراد بك فصدهم وكفهم عن بعضهم وجمع كبراهم وتشاوروا في أمرهم وأرضى خواطرهم خوفاً من وقوع الفشل فيهم وتشتتهم في بلاد الغربة وطمع الشاميين وشماتتهم واتفق رأيهم على الرحيل وأخذوا رمة سيدهم صحبتهم لما تحقق عندهم إن هم دفنوه هناك في بعض المواضع أخرجه أهل البلاد ونبشوه وأحرقوه فغسلوه وكفنوه ولفوه في المشمعات ووضعوه في عربة وارتحلوا طالبين الديار المصرية فوصلوا في ستة عشر يوماً ليلة الرابع والعشرين من شهر ربيع الثاني أواخر النهار فأرادوا دفنه بالقرافة وحضر الشيخ الصعيدي فأشار بدفنه في مدرسته تجاه الجامع الأزهر فحفروا له قبراً في الليوان الصغير الشرقي وبنوه في الليل ولما أصبح النهار عملوا له مشهداً وخرجوا بجنازته من بيته الذي بقوصون ومشى أمامه المشايخ والعلما والأمرا وجميع الأحزاب والأوراد وأولاد المكاتب وأمام نعشه مجامر العنبر والعود ستراً على رايحته ونتنه حتى وصلوا به إلى مدفنه وعملوا عنده ليال وحتمات وقراآت وصدقات عدة ليال وأيام نحو أربعون يوماً واستقر أتباعه أمرا مصر ورئيسهم إبراهيم بك ومراد بك وباقيهم الذين أمرهم في حياته ومات عنهم يوسف بك وأحمد بك الكلارجي ومصطفى بك الكبير وأيوب بك الكبير وذو الفقار بك ومحمد بك طوبال ورضوان بك والذين تأمروا بعده أيوب بك الدفتردار وسليمان بك الأغا وإبراهيم بك الوالي المحتسب وأيوب بك الصغير وقاسم بك الصغير وعثمان بك الشرقاوي ومراد بك الصغير وسليم بك أبو ديار ولاجين بك وسيأتي ذكر أخبارهم انتهى ما نقلناه من عجائب الآثار بحروفه وقوصون محلة بمصر كما هو مذكور في كتاب المواعظ بمناسبة اصطبل الأمير قوصون وقد سماها عباس