للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثلاث وأربعين ومائة وألف وبها نشأ وقرأ وحصل وبرع وتنبل ثم ذهب إلى حلب سنة ثلاث وستين ومائة وألف مع خاله الوزير الشهير سعد الدين باشا لما وليها ودخل معه طرابلس مرات ثم استقام بدمشق وعكف على تحصيل الكمالات إلى أن بلغ السلطان مصطفى ابن السلطان أحمد خلد الله ظلال دولتهم في الأنام وفاة الوزير سعد الدين باشا فنظر إلى المترجم بأنظار اللطف وأنعم عليه برتبة أمير الأمراء بروم ايلي مع عقارات خاله الوزير أسعد باشا الشهير فترقى بذلك أوج السعادة وبعد برهة من الزمان أنعم عليه برتبة الوزارة فأتت إليه منقادة مع الانعام بمنصب صيدا وذلك سنة ست وسبعين ومائة وألف وأرخ له ذلك العالم الأديب الشريف صالح بن عبد الشافي الغزاوي نزيل دمشق بقصيدة طويلة تاريخها قوله شباك العلا صادت لمجدكم صيداً فنهض من دمشق إليها وسار السيرة الحسنة بين أهليها ثم انفصل عنها وولي حلب فدخلها رابع عشري شعبان سنة سبع وسبعين ومائة وألف وكانت حلب مجدبة ولم يصبها المطر فحصل بيمن قدومه كثرة أمطار ورخاء أسعار ونمو زروع وعامل أهلها بالشفقة والاكرام ورفع عنهم من البدع ما كان ثلماً في الاسلام فأثلج بذلك الصدور وأحيا معالم السرور منها إزالة منكر كان قد حدث بها سنة احدى وسبعين ومائة وألف وذلك أنه جرت العادة في بعض محلاتها أن تفتح حانات القهوة ليلاً وتجتمع بها الأوباش إلى أن زاد البلاء وفجرت النساء مع ما ينضم إلى ذلك من شرب الخمور وفعل المنكرات وأنواع الفساد فحانت التفاتة من صاحب الترجمة في بعض الليالي من السطح إلى ذلك فقصده مختفياً وأزاله وفي ثاني يوم أمر بإزالة هذا المنكر ونبه على أن لا تفتح الحانات ليلاً أبداً فطوي بسبب ذلك بساط الفجور وانجلى من ظلمة المعاصي الديجور ومن جملة ما رفعه من المظالم بحلب حين توليه لها بدعة الدومان عن حرفة الجزارين التي أوغرت صدور المسلمين وكان حدوثه بها سنة احدى وستين بعد المائة والألف والدومان اسم لمال يجتمع من ظلامات متنوعة يستدان من بعض الناس باضعاف مضاعفة من الربا ويصرفه متغلبو هذه الحرفة في مقاصدهم الفاسدة وآرائهم الكاسدة وطريقتهم في وفائه أن يباع اللحم بأوفى الأثمان للناس من فقراء وأغنياء وتؤخذ الجلود والأكارع والرؤس والكبد والطحال بأبخس ثمن من فقراء الجزارين جبراً وقهراً كل ذلك يصدر من أشقياء الجزارين ومتغلبيهم إلى أن هجر أكل اللحم الأغنياء فضلاً عن الفقراء وأعضل الداء واتفق إنه في سنة ست وسبعين كان قاضياً بحلب المولى أحمد أفندي الكريدي فسعى في رفع هذه البدعة فلم تساعده الأقدار فباشر بنفسه محاسبة أهل هذه الحرفة الخبيثة ورفعها وكتب عليهم صكوكاً ووثائق وسجلها في قلعة حلب فلما عزل عاد كل شيء لما كان عليه فلما كان أواخر محرم سنة ثمان وسبعين قبض صاحب الترجمة

<<  <  ج: ص:  >  >>