وقال ابن حجر المكي في "الخيرات الحسان"(ص ٧٤) ، بعدما ذكر محاسنه ومحامده في ستةٍ وثلاثين فصلاً، في الفصل السابع والثلاثين، قال الحافظ ابن عبد البر ما حاصله: إنه أفرط بعض أصحاب الحديث في ذم أبي حنيفة، وتجاوزوا الحد في ذلك، لتقديمه القياس على الأثر، وأكثر أهل العلم يقولون: إذا صح الحديث بطل الرأي والقياس، لكنه لم يرو إلاَّ بعض أخبار الآحاد بتأويل محتمل، وكثير منه قد تقدمه إليه غيره وتابعه عليه مثله كإبراهيم النخعي وأصحاب ابن مسعود رضي الله عنه، إلاَّ أنه أكثر من ذلك هو وأصحابه، وغيره إنما يوجَد له ذلك قليلاً، ومن ثَمّ لما قيل لأحمد: ما الذي نُقم عليه؟ قال: الرأي، قيل: أليس مالك تكلم بالرأي، قال: بلى، ولكن أبو حنيفة أكثر رأياً منه، قيل: فهل أتكلم في هذا بحصته وهذا بحصته؟ فسكت أحمد، وقال الليث بن سعد: أحصيت على مالك سبعين مسألة، قال فيها برأيه، وكلها مخالفة لسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم نجد أحداً من علماء الأمة أثبت حديثاً عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم ردَّه إلاَّ بحجة كادِّعاء نسخ أو بإجماع أو طعن في سنده، ولو ردَّه أحد من غير حجة لسقطت عدالته، فضلاً عن إمامته، ولزمه اسمُ الفسق، وعافاهم الله عن ذلك، وقد جاء عن الصحابة اجتهادهم بالرأي، القول بالقياس على الأصول ما سيطول ذكره، وكذلك التابعون. انتهى كلام ابن عبد البَرّ. والحاصل أن أبا حنيفة لم ينفرد بالقول بالقياس، بل على ذلك عامة عمل فقهاء الأمصار. انتهى.
وفي الخيرات الحسان، في الفصل الثامن والثلاثين (ص ٨٤) : قال أبو عمر يوسف ابن عبد البر (في جامع بيان العلم وفضله ٢/١٤٩) : الذين رَوَوْا عن أبي حنيفة، ووثّقوه، وأثنوا عليه أكثر من الذين تكلّموا فيه، والذين تكلموا فيه من أهل الحديث أكثر ما عابوا عليه الإغراق في الرأي والقياس، أي وقد مرّ (أي عند ابن عبد البر في جامع بيان العلم ٢/١٤٨) أن ذلك ليس بعيب، وقد قال الإمام علي بن