النخلة، فإذا وهب رجل ثمرة نخله، ثم تأذّى بدخوله عليه رُخِّص للواهب أن يشتري رطبها من الموهوب له بتمرٍ يابس بمثل كيله خرصاً. هذا هو المشهور من مذهب مالك، وشرطه عنده أن يكون البيع بعد بدوِّ الصلاح، وأن يكون بثمن مؤجَّل إلى الجُذاذ لا حالٍّ لئلا يلزم الربا بالنسيئة، وأن لا تكون هذه المعاملة إلاَّ مع المعُرِي المالك خاصة. قال ابن دقيق العيد: يشهد لهذا التفسير أمران: أحدهما: أن العريَّة مشهورة في ما بين أهل المدينة متداوَلَة بينهم، وقد نقل مالك هكذا، الثاني: ما وقع في بعض طرق رواية زيد رخّص لصاحب العرية، فإنه يُشعر باختصاصه بصفة تميِّزها عن غيره. القول الثاني: أن يكون لرجل نخلة أو نخلتان في حائط رجل له نخل كثير، فيتأذّى صاحب النخل الكثير من دخول صاحب القليل، فيقول له: أنا أعطيك خرص نخلك تمراً، فرُخِّص لهما ذلك، وهذا رواية عن مالك. والقول الثالث: أنها نخل كانت توهَب للمساكين فلا يستطعون أن ينتظروا بها، فرُخِّض لهم أن يبيعوها بما شاؤوا من التمر، رواه أحمد من حديث زيد، وهو وإن خالف فيما ذكره مالك من أن المراد بصاحب العرية واهبها، لكنه محتمل، فإن الموهوب له صار بالهبة صاحباً لها، وعلى هذا لا يتقيد البيع بالواهب، بل هو وغيره سواء، وحُكي عن الشافعي تقييد الموهوب له بالمسكين وهو اختيار المزني تلميذ الشافعي، ومستنده ما ذكره الشافعي في "مختلف الحديث"، عن محمود بن لبيد قال: قلت لزيد بن ثابت: ما عراياكم هذه؟ قال: فلان وفلان وأصحابه شكَوْوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الرطب يحضر، وليس عندهم ذهب ولا فضة يشترون بها منه، وعندهم فضل تمر، فرخّص لهم أن يشتروا العرايا بخرصها من التمر يأكلونها رطباً. قال الشافعي: قوله: يأكلونها رطباً، يدل على أن مشتري العريَّة يشتريه ليأكلها رطباً، وأنه ليس له رطب يأكلها غيرها، ولو كان المراد من صاحب العرية صاحب الحائط كما قال مالك لكان لصاحب الحائط في حائطه رطب غيره، ولم يفتقر إلى بيع العرية، قال ابن المنذر: هذا لا أعرف أحداً ذكره غير الشافعي، وقال السبكي: لم يذكر الشافعي إسناده وكل من حكاه إنما حكاه عن