للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .


وأولى مما قال مالك، لأن العرية إنما هي العطية. انتهى. وفيه ما لا يخفى، فإن العرية وإن كان يستعمل بمعنى العطية إلاَّ أنه ليس بمقتصر عليه، فقد ذكروا أن العرية فعيلة بمعنى مفعولة، أو بمعنى فاعلة، فمن جعلها مفعولة، قال هي من عري النخل إذا أفردها عن النخل ببيع ثمارها رطباً، وقيل: من عراه يعروه إذا أتاه، وتردد إليه لأن صاحبها يتردد إليها، ومن جعلها فاعلة جعلها مشتقة من قولهم: عريت النخلة، بفتح العين وكسر الراء، فكأنها عريت عن حكم أخواتها على أنه لو سلّم أن العرية معنى العطية ليس إلا فهو لا يستلزم أن يكون بيع العرايا عبارة عن العطية بل العرية بنفسها بمعنى العطية، وبيعها غير الهبة، كما مرَّ في القول الأول من الأقوال المذكورة سابقاً، ثم قال الطحاوي: فإن قال قائل: ذكر في حديث زيد أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الثمر بتمر، ورخَّص في العرايا، فصارت العرايا في هذا الحديث أيضاً هي بيع ثمر بتمر، قيل له: ليس في الحديث من ذلك شيء، إنما فيه ذكر الرخصة في العرايا مع ذكر النهي عن بيع الثمر بالتمر، وقد يقرن الشيء بالشيء، وحكمهما مختلف. انتهى. وفيه أن هذا التقرير إن يمشي في خصوص هذه العبارة، فماذا يقول فيما أخرجه عن جابر: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الثمر حتى يطعم، وقال: لا يباع منه شيء إلاَّ بالدراهم والدنانير إلاَّ العرايا، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم رخَّص فيها، وما أخرجه عن عمرو بن دينار الشيباني قال: بعتُ ما في رؤوس نخلي بمائة وسق، إن زاد فلهم، وإن نقص فعليهم، فسألت ابن عمر عن ذلك؟ فقال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع الثمر بالتمر إلاَّ أنه رخَّص في العرايا. وما أخرجه عن جابر: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المزابنة إلاَّ أنه أرخص في العرايا.
وما أخرجه عن سهل: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الثمر بالتمر إلاَّ أنه رخَّص في العرية أن يُباع بخرصها من التمر يأكلها أهلها رطباً. فهذه العبارات وأمثالها صريحة في أن بيع العرايا داخل في المزابنة وبيع الثمر بالتمر، وأن الرخصة فيه بعد النهي عن المزابنة مطلقاً، والتزام أن الاستثناء في هذه منقطع، فمع عدم صحته في بعضها التزم أمر غير ملتزم، ومُفْضٍ إلى إخلال الكلم، ثم قال الطحاوي: فإن قال

<<  <  ج: ص:  >  >>