للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَلَوْ جُعل (١) بَيْعًا مَا حلَّ (٢) تَمْرٌ بِتَمْرٍ إلى أجل.


قائل: قد ذُكر التوقيف في حديث أبي هريرة على خمسة أوسق، وفي ذكر ذلك ما ينفي أن يكون حكم ما هو أكثر من ذلك كحكمه، قيل له: ما فيه ما ينفي شيئاً، وإنما يكون كذلك لو قال: لا يكون العرية إلاَّ في خمسة أوسق، إنما فيه أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم رخَّص في خمسة أوسق وفي ما دون خمسة أوسق فذلك يحتمل أن يكون رسول الله قد رخص فيه لقوم في عرية لهم هذا مقدارها، فنقل أبو هريرة ذلك، وأخبر بالرخصة فيما كانت. انتهى. وفيه أنَّ مثل هذا الاحتمال المحض لا يُسمع ما لم يدل عليه دليل، وإلاَّ لفسدت الأحكام واختَلَّ النظام، ولا ريب في أن الظاهر الذي يجب المصير إليه إلاَّ إذا خالفه دليل معارض له ما قاله القائل، ثم قال: فإنْ قال قائل: ففي حديث ابن عمر وجابر: أنه رخص في العرايا، فصار ذلك مستثنًى من بيع الثمر بالتمر، قيل له: قد يجوز أن يكون قصد بذلك إلى المُعْرِي فرخَّص له أن يأخذ تمراً بدلاً من الثمر في رؤوس النخل لأنه يكون في معنى البائع، وذلك له حلال، فيكون الاستثناء لهذه العلة. انتهى. وفيه أن هذا عدول عن الحقيقة الظاهرة من غير حجة، وأمثال هذه التأويلات قبولها كبناء بيت وهدم قصر، ثم قال: فإن قال قائل: لو كان تأويل هذه الآثار ما ذهب إليه أبو حنيفة لما كان لذكر الرخصة معنى؟ قيل له: قد اختُلف فيه، فقال عيسى بن أبان: معنى الرخصة في ذلك أن الأموال كلها لا يملك بها أبداً إلاَّ من كان مالكها، لا يبيع رجل ما لا يملك ببدل، فالمُعري لم يكن مَلَكَ العرية لأنه لم يكن قبضها، والتمر الذي يأخذه بدلاً منها قد جُعل طيّباً له، فهذا هو الذي قصد بالرخصة إليه. انتهى. وفيه أن هذا تكلُّف تستبشعه الطبائع السليمة، فإن ملك المعري للبدل على التقرير المذكور ليس على سبيل البيع لا حقيقةً ولا حكماً، لا شرعاً ولا عرفاً، بل ليس له ملكه، لكون الهبة مشروطة بالقبض، فلا يذهب وهم أحد إلى عدم جوازه، فضلاً عن أن يذكر لفظ الرخصة فيه. هذا ما ظهر في الوقت وفي المقام كلام لا يسعه المقام.
(٢) لدخول الربا فيه من جهة النسيئة واحتمال عدم التساوي.

<<  <  ج: ص:  >  >>