- والثالث: أن هذا التفسير يخالف ما فهمه ابن عمر، وعمل على وفقه كما مرَّ ذكره، فلا يُعتبر به وأجاب عنه الزيلعي وغيره بأنه تقرَّر في الأصول أن تأويل الصحابي لمحتمل التأويل، واختياره لأحد التأويلين ليس بحجة ملزمة على غيره، ولا يمنعه عن اختيار تأويل يغايره وفيه نظر ظاهر عندي فإنه بعد تسليم ما حقق في "الأصول" لا شبهة في أن تأويل الصحابي أقوى وأحرى بالقبول من تأويل غيره، وتقليده أولى من تقليد غيره، وقال الطحاوي في "شرح معاني الآثار": قد يجوز أن يكون ابن عمر أشكلت عليه الفُرقة التي سمعها من النبي صلى الله عليه وسلم ما هي؟ فاحتملت عنده الفرقة بالأبدان على ما ذهب إليه عيسى بن أبان، واحتملت عنده الفرقة بالأقوال على ما ذهبنا إليه ولم يحضره دليل يدل أنه بأحدهما أولى منه بما سواه، ففارق بائعه ببدنه احتياطاً، ويحتمل أيضاً أن يكون فعل ذلك لأن بعض الناس يرى أن البيع لا يتم إلاَّ بذلك، وهو يرى أن البيع يتم بغيره، فأراد أن يتم البيع في قوله وقول مخالفه. انتهى. وهو ليس بشيء فيما يظهر لي فإن مثل هذه الاحتمالات لو اعتُبرت لم يحصل الجزم بكون فعل واحد من الصحابة أمراً مذهباً له لجواز أن يكون فعله احتياطاً، وظاهر سياق قصة ابن عمر المرويَّة في الكتب تشهد شهادة ظاهرة على أنه كان مذهباً له، وهو الذي نسبه إليه أصحاب الاختلاف، وذكروه في معرض الخلاف. ثم قال الطحاوي: وقد رُوي عنه ما يدلُّ على ان رأيه كان الفُرقة بخلاف ما ذهب إليه البيع يتم بها، وذلك أن سليمان بن شعيب قال: نا بشر بن بكر، حدثني الأَوْزاعي، حدثني الزهري، عن حمزة بن عبد الله عن ابن عمر أنه قال: ما أدركت الصفقة حياً فهو من مال المبتاع، فهذا ابن عمر قد كان يذهب فيما أدركت الصفقة حياً فهلك بعدها أنه من مال المشتري، فدل ذلك على أنه كان يرى أن الصفقة تتم بالأقوال قبل الفرقة التي تكون بعد ذلك وأن المبيع ينتقل بذلك من ملك البائع إلى المشتري حتى يهلك من ماله إذا هلك. انتهى.