ويعارض هذه الأخبار ما أخرجه مسلم والترمذي وغيرهما، عن ابن عباس أن الإقعاء بين السجدتين سنَّة النبي صلى الله عليه وسلم، واختلف العلماء في ذلك: فمهم من قال حديث ابن عباس منسوخ، وردّه النووي بأنه غلط فاحش لعدم تعذّر الجمع، ولا تاريخ، فكيف يصح النسخ؟! ومنهم من سلك مسلك الجمع، وقالوا: الإقعاء على نوعين: أحدهما مستحَبّ وهو أن يضع أليتيه على عقبيه وركبتاه على الأرض وهو الذي روى مسلم عن ابن عباس، والثاني أن يضع أليتيه ويديه على الأرض وينصب ساقيه، وهو إقعاء الكلب المنهيّ عنه. كذا ذكره النوويُّ، واختاره ابن الهُمام وغيره من أصحابنا، ولا يخفى على الفطن أن أثر ابن عمر الذي أخرجه محمد صريح في نهي الإقعاء بالمعنى الثاني أيضاَ ولذلك نص محمد بعده على أنه لا ينبغي، والقول الفيصل في هذا المقام أن الإقعاء بالمعنى الأول لا خلاف في كراهيتها، وبالمعنى الثاني مختلف فيه بين الصحابة، فأثبت ابن عباس كونه سنَّة ونفاه ابن عمر، والذي يظهر أن الجلوس بين السجدتين بالافتراش عزيمة، والإقعاء فيه بالمعنى الثاني رخصة، قد ظنَّها ابن عباس سنَّة، وقد أخذ أكثر العلماء في هذا البحث بما دلَّ عليه أثر ابن عمر من العزيمة، وللتفصيل موضعٌ آخر من تآليفي المبسوطة